النهار
السبت 22 فبراير 2025 09:07 صـ 24 شعبان 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: الشعب الفلسطينى بطل الحرب ضد إسرائيل

أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار

على هذه الأرض ما يستحق الحياة، فالمشهد بشع، ولا توجد حياة، ونحن نتصارع من أجل الحياة.
هذه رسالة إلى ضمير كل مسلم وعربى، أمام هذه الإبادة الإنسانية لكل شىء على الأرض فى غزة، جعلتنا أمام مشهد غريب بعد وقف الحرب، بعد أن انتهى كل شىء على قيد الحياة هناك.
ولكن يخرج من هذا الظلام ومن هذه العتمة الإنسانية العالمية، الإنسان الفلسطينى صامدًا وقويًا، ويتمسك بإرادة الله فقط، التى جعلته ما زال على قيد الحياة.
فهل بقى على هذه الأرض ما يستحق الحياة؟

فحرب غزة عنوان يُدرَّس بعيدًا عن المنظرين والمحللين والخبراء الإستراتيجيين، فالمرأة والطفل الفلسطينى كانوا هم الهدف الإستراتيجى للاحتلال الإسرائيلى، فحتى قبل وقف إطلاق النار بساعتين فى اليوم الأخير استشهدت 25 امرأة و13 طفلًا والبقية تحت الأنقاض، وما تحت الأنقاض من شهداء وجرحى وبين الرماد لا يعلمه إلا الله.
فلذلك يجب أن تجعلنا هذه النكبة الإنسانية فى غزة نتوقف أمام الإنسان المصرى والذى رغم الظرف الاقتصادى كان هو الحاضنة الشعبية لأهل غزة، فكل أبناء مصر، فقراء وأغنياء مسلمين ومسيحيين، وبمختلف اتجاهاتهم السياسية، كانوا على قلب رجل واحد لتقديم المساعدات الإنسانية والشاحنات التى وقفت طويلًا لتنتهز هذه اللحظة التاريخية لتنقذ ما يمكن إنقاذه؛ حتى تعطى المأوى والمأكل والملبس للشعب الفلسطينى الذى يستحق جائزة نوبل للإنسانية.
وعلى الفصائل الفلسطينية، وخاصة حماس ومنظمة التحرير، أن تقوم بمراجعة مواقفها وأن تتفق ولو لمرة واحدة أمام هذا المنظر، وأن تتراجع إلى الصفوف الخلفية لا الأمامية للمشهد، فسيد الموقف الحقيقى هو الشعب الفلسطينى، وأن تبتعد عن المشهد السياسى وعن الحكم وعن المناصب؛ حتى لا تتكرر هذه المأساة مرة أخرى؛ لأن الغرب لن يتعاطف مع الفلسطينيين على الإطلاق طالما أرادت الفصائل العودة للسلطة وحكم غزة.
فيجب أن يكون صوت العقل والضمير فى أن يتولى إدارة غزة والضفة الغربية والقدس الشريفة أبناء فلسطين المخلصون البعيدون كل البعد عن حماس؛ لأن منظمة التحرير هى الممثل الشرعى الوحيد المعترف به عالميًا، وأن نعطى الشرعية ولو مرة واحدة للشعب الفلسطينى أن يختار ليخرج من هذه المحنة خلال شهور قليلة من خلال انتخابات رئاسية وتشريعية يكون الشعب الفلسطينى هو صاحب الشرعية وسيد الموقف، ويجب أيضًا قبل إعادة إعمار غزة بالمال أن يتم إعادة إعمار نفوس أهلها الصامدين الصابرين بوجود الحد الأدنى من مقومات الحياة، لأن عملية الإعمار ستستغرق سنوات طويلة، ونريد أن تعود فلسطين إلينا بعيدًا عن صراع الفصائل الفلسطينية الذين حتى الآن ما زالوا يحلمون بالعودة إلى حكم القطاع، وهيهات بين اليوم والأمس فكل شىء فى خراب ودمار.
فهل على هذه الأرض ما يستحق الحياة؟!
تحية للشعب الفلسطينى الصامد الأبى الحر الذى رفض التقسيم والإبادة وصمم على البقاء على الأرض بلا حياة.
وكان لمصر الدور الحقيقى والرئيسى فى عدم تصفية القضية الفلسطينية أو تهجير الفلسطينيين كما كان المخطط الصهيونى يعد بدعم لوجستى أمريكى وغربى، فلنا أن نفتخر بمصرنا التى وقفت ضد هذا الزلزال الصهيونى، وكان قدر مصر أن تبقى هى الشقيقة الكبرى للعالم العربى، ورغم ظرفها الاقتصادى كانت مصر (الدولة والمؤسسة العسكرية والشعب المصرى العظيم) هى الداعم الحقيقى ضد مسلسل التقسيم الفلسطينى، وها هى مصر الآن على الحدود فى رفح، بفتيات مصر وشبابها الذين يوصلون الليل بالنهار لإطلاق المساعدات الغذائية إلى شعبنا الفلسطينى بعيدًا عن لعبة المصالح ولعبة الكراسى ولعبة السلطة التى هى إلى زوال.
ونحن نرفع القبعة للشعب الفلسطينى الذى صمد 15 شهرًا أمام الآلة الأمريكية الإسرائيلية التى استخدمت فيه كل أنواع الأسلحة.
والتساؤل الذى يطرح نفسه من الناحية السياسية والعسكرية والإنسانية: هل الشعب الفلسطينى كسب الحرب ضد إسرائيل؟
ليس انحيازًا ولا مبالغة ولا كلامًا ولكن بالأرقام وبالحقائق نقول إن هذا الشعب الذى كان الجميع يراهن على تكرار نكبة 1948 بحقه، أذهل العالم، وخاصة الدول العربية والإسلامية، بأنه لم يخرج من أرضه وارتبط بها رغم كل أنواع الإبادة التى استُخدمت ضده ورفض فكرة التهجير بكل مغرياتها.
ويُحسب لمصر رغم كل الشائعات والأكاذيب أنها رفضت تهجير الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية، وكان موقف القيادة السياسية واعيًا وتاريخيًا بعد أن أسقط كل هذه الادعاءات، بمعنى أنه لا يمكن تصفية القضية التى استُشهد لأجلها آلاف من المصريين منذ 1948 فى لحظة فارقة فى تاريخ الشعوب والحروب.
فلذلك ضرب الشعب الفلسطينى مثلًا فى البقاء على الأرض فى غزة وفى الضفة وفى القدس، وقدم نموذجًا يُدرَّس بمعنى الكلمة، ولكن للأسف الشديد باع معظم العرب والمسلمين هذا الشعب واتفق المجتمع الدولى عليه.
ولا يمكن ونحن نتناول هذا الموضوع ألا نذكر يحيى السنوار الذى لقّن حكومة اليمين المتطرف ونتنياهو وبن غفير وسموتريتش درسًا فى الوطنية والارتباط بالأرض والمقاومة حتى بآخر عصا وليس مدفعًا أو قنبلة فى مشهد سيذكره التاريخ لهذا الرجل العظيم الذى قاد المقاومة لمدة 12 شهرًا، فبعيدًا عن الأيديولوجيات وعن التصنيفات الطائفية، كان هذا الرجل فلسطينيًا حتى النخاع وعروبيًا حتى آخر قطرة من دمه فكتُبت له الشهادة ليدخل التاريخ الإنسانى من أوسع أبوابه.
ولقد لعبت مصر، وقطر، دورًا خطيرًا وتحملت ما لا يتحمله أحد من اتهامات وأكاذيب من الجانب الإسرائيلى، وصمدت حتى اللحظة الأخيرة من أجل إخراج هذا الاتفاق المسموم الذى كان وبالًا على إسرائيل، وحقيقةً لا ينكرها أحد (لولا ترامب ما تم هذا الاتفاق)، فلقد لعبت قطر مع حماس دورًا وطنيًا رائعًا، وقامت مصر بتنفيذ آلية هذا القرار من الناحية الفنية من خلال أجهزة المعلومات المصرية وكتيبة وزارة الخارجية التى لعبت دورًا كبيرًا لإفساد كل المخططات لمنع وقف إطلاق النار، فحتى آخر لحظة حاولت إسرائيل أن تتملص لولا القرار الترامبى بمساعدة مصر وقطر الذى أوقف هذه الحرب، ورغم الأحلام الإسرائيلية بعودة الحرب مرة أخرى بعد المرحلة الأولى خلال 42 يومًا وهى المرحلة التى لم يتم فيها تسليم الرهائن الأمريكيين والإسرائيليين.
فلذلك كان المفاوض الفلسطينى ذكيًا وواقعيًا وقدم تنازلات لاستغلال الفرصة الضائعة أمام هذا الزخم السياسى الذى جاء به ترامب، وحقيقة لا بد أن نقولها لو كان ترامب موجودًا فى السلطة ما استمرت الحرب كل هذه الفترة ولكانت انتهت بعد أسابيع من انطلاقها فى أكتوبر 2023.
فهل يلعب ترامب الآن لمحاولة توسيع الاتفاق الإبراهيمى لإدخال الجائزة الكبرى لإسرائيل فى التطبيع ومعها لبنان والعراق؟
هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة بعد تنصيب ترامب فى البيت الأبيض.
وربنا يستر