أسامة شرشر يكتب: فتنة معاوية بن أبي سفيان في مشروع التوريث

كنت لا أنتوي أن أتكلم عن مسلسل (معاوية) الذي كتبه الزميل والأخ والصديق خالد صلاح والذى تطرق فيه لموضوع في غاية الأهمية والحساسية ونحن نتفق معه، في أن هناك فرقا بين معاوية بن أبي سفيان الإنسان والسياسي والداهية، ومعاوية صاحب مؤسس التوريث في الحكم الإسلامي، بعد مبدأ الشورى الذى أرساه كل الخلفاء بداية من أبى بكر الصديق وحتى علي بن أبي طالب.
فمسلسل (معاوية) يحكى سيرة معاوية بن أبي سفيان أحد كتاب الوحي وهو منذ صغره أحد النابهين الواعدين ولا نختلف عليه كإنسان وصحابي جليل، ولكن عليه مآخذ خطيرة، أخطرها مع رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، الذى قال الرسول عليه الصلاة والسلام عنه «رَحِمَ اللَّهُ عَلِيًّا، اللَّهُمَّ أَدِرِ الْحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ».
رفض معاوية بيعة علي، وشق صف المسلمين، في توقيت هام وحساس، بل وصل بدهائه وذكائه أنه قام بالاستعانة بعمرو بن العاص، وقام بوضع المصاحف على أسنة الرماح وتم إيقاف الحرب بين الطرفين ونجح في إحداث الفتنة الكبرى في صفوف علي بن أبي طالب خاصة أن أغلبهم كانوا من الصحابة الذين ارتضوا بالتحكيم لكتاب الله في موقعة صفين وكانت هذه هي الخديعة الكبرى التى قتل على أثرها على بن أبي طالب.
بل وصل الأمر أن الحسن بن علي قام ببيعة معاوية، على أن تكون الخلافة من بعده بالشورى، ولكنه قتل الحسن بن علي، وأنهى الشورى في الخلافة الإسلامية، وقام بتوريث ابنه يزيد بن معاوية الذى كان لا يصلح للخلافة وكان فاسدا حتى النخاع ووصل الأمر بيزيد أن قام بقتل الحسين بن علي في موقعة كربلاء.
فالبيت الأموى سواء معاوية أو يزيد قتل علي بن أبي طالب والحسن والحسين آخر قنديل زيت في بيت النبوة، وكانت الطامة الكبرى أن قاموا بتشريد آل البيت في كل البلدان الإسلامية ولجأت السيدة زينب إلى مصر وكذلك السيدة نفيسة واستقبلهما أهل مصر بحفاوة بالغة.
وأكثر ما نختلف فيه مع معاوية أن أسس لأول مرة في تاريخ الإسلام مشكلة خطيرة، وهي تفريق المسلمين إلى الشيعة التابعين لعلي بن أبي طالب والسنة التابعين لمعاوية، وأصبح المعسكران اللذان كان من المفترض أن يكونا وحدة واحدة على خلاف دائم حول السلطة في هذا التوقيت، مما أدى إلى القتال بينهما واتساع الفجوة من خلال الفتن والمكائد والخلافات بين أفراد المسلمين وحتى وقتنا هذا، بالإضافة إلى أنه أكد على مشروع التوريث الذى كان الطامة الكبرى لضرب التسلسل الخلافي بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ومخالفة صريحة لأمر الله عز وجل (وأمرهم شورى بينهم) وهكذا نجح معاوية بن أبي سفيان وولده يزيد في إحداث الانشقاق بين المسلمين، وهذا ما توارثته الدولة الأموية على مدار 90 عاما، إلى أن جاءت الدولة العباسية وحدث ما حدث واستمر الخلاف والشقاق والفرق والمذاهب، وأصبح المشروع الشيعي مقابل المشروع السنى وهذا ما نجنيه حتى اليوم بين الدول السنية وعلى رأسها مصر والسعودية، والطائفة الشيعية وعلى رأسها إيران، وهكذا خلقنا نزاعا دينيا بلا نزاع حقيقي لأن الدين واحد والرب واحد والنبي واحد.
أردت أن أكشف أن معاوية الذى لقبه البعض بأنه سادس الخلفاء الراشدين كان صاحب الفتنة الكبرى لشق الصف الإسلامي وقتل علي بن أبي طالب آخر الخلفاء الراشدين، وهو أيضا كاتب الوحي والصحابي الجليل، فلذلك عندما نتوقف عند معاوية بن أبي سفيان لا بد أن نقول ما له وما عليه.