أسامة شرشر يكتب: كيف الخلاص أمام الكعبة؟
وأنا فى طريقى لأداء العمرة، تساءلت: كيف الخلاص وأنا أقف الآن أمام أول بيت وضع للناس على الأرض "الكعبة المشرفة" فى مكة المكرمة؟ كيف سنجيب على الله فيما يجرى فى غزة ولبنان، وأخيرًا ما جرى ويجرى فى سوريا، وسقوط دمشق وحلب بين ليلة وضحاها أمام أعيننا، ونحن صامتون خائفون ومتفرجون، بعدما كانت إحدى حوائط الصد الحقيقى والبوابة الشرقية للأمن القومى العربى والمصرى، وبعدما كانت بلاد الحضارة والتاريخ وبلاد الشام، ليحكمها الجولانى الآن -وهويته معروفة- وهو قادم من عباءة الإخوان والحديقة الخلفية للجماعات الظلامية، لنشهد سقوط الجيش العربى السورى فى لحظة فارقة، وبسرعة الصاروخ، بطريقة لا تُصدق ولا تحدث حتى فى الروايات، فهذا السيناريو هو مؤامرة أمريكية صهيونية بأيادٍ إسرائيلية تركية لا يهمها سوريا أو الشعب السورى بقدر ما يهمها الخلاص من الجيش السورى.
وما جعلنى لا أصدق حتى الآن ما يحدث ما رأيته عندما وقف نتنياهو على قمة جبل الشيخ فى الجولان، ليرى لبنان والأردن والبحر المتوسط، ويقول بأعلى صوته: (لقد حققت الآن حلم الصهيونية اليهودية فى إسرائيل الكبرى من النهر إلى البحر المتوسط).
وعلى الجانب الآخر أرى لغز سقوط بشار الأسد الذى لن يرحمه التاريخ، ولن يرحمه الشعب السورى، خاصة بعد دخول القصر الجمهورى ونهبه، لكن ما لفت نظرى فيه هو وجود بدروم سرى كان مليئًا بصناديق الذهب و«الطبنجات» المرصعة بالماس والذهب، والتى أخذها بشار الأسد وترك الفتات للشعب السورى، وهو يهرب سرًا إلى روسيا هذا الهروب، وبهذه الطريقة هو اللغز الأكبر فيما جرى.
وهنا أدعو الله أمام الكعبة أن يغفر للمرحوم «الرئيس محمد حسنى مبارك»؛ لأنه بعد ثورة 25 يناير لم يترك مصر لقوى الشر والجماعات الظلامية، ولم يغادر مصر مثلما فعل بشار الأسد وغيره.. لقد ظل فى قاهرة المعز شامخًا، وقال قولته المشهورة: (إن التاريخ سيحكم بما لنا أو علينا) بل قام بأهم قرار تاريخى حفظ مصر؛ حيث سلم البلد إلى خير أجناد الأرض (القوات المسلحة وتولى المجلس العسكرى إدارة السفينة باقتدار لترسى على بر الأمان حاملة الوطن فى قلبها) حتى لا تحدث الفوضى التى نراها الآن فى دمشق وحلب وإدلب، وقيام إسرائيل بدعم لوجستى من بايدن هذا الشيطان العجوز، بضرب كل مخازن الطائرات والأسلحة والمطارات السورية وإنهاء وجود الجيش العربى السورى فى المنطقة، وهو ما وصفه الصهاينة بأعظم إنجاز فى تاريخهم.
كيف أدعو الله؟ لا أجد الكلمات التى تعبر عما يجول فى خاطرى ويجيش فى قلبى وعقلى من تساؤلات ليس لها إجابة.
فلقد تركنا سوريا لإيران وتركيا وخلفهما أمريكا وروسيا، لكى تفعل كل شىء فى هذه المنطقة التى تمثل امتدادًا للحضارة الآشورية والبابلية بشعرائها وعلمائها ومفكريها وشعبها العظيم.
وأخشى ما أخشاه تحت شماعة (الحشد الشعبى العراقى) أن يتم تكرار سيناريو سوريا، ويتم ضرب بغداد العراق، وهذه ستكون الكارثة الكبرى، وأنا أدعو الله ألا تسقط بغداد آخر قنديل زيت على أرض الحقيقة والحضارة، أرض دجلة والفرات، بعدما ولى زمن الحجاج بن يوسف، وتحول العراق من بلد يعتبر قبلة العلم والعلماء إلى بلد غير مستقر، فأخطر ما كان يهدد الأمريكان قبل غزو العراق، ليس البترول أوالغاز أو المتاحف أو التاريخ فقط، لكن الخشية كانت من علماء العراق وصنع القنبلة النووية.
وتساؤلى: لماذا تستباح أراضينا ومساجدنا وكنائسنا ومتاحفنا وحضارتنا وتاريخنا ولا ندافع عنها؟ أرى الجولانى فى العلن وليس فى المنام يدنس المسجد الأموى، ويدعى حماية وصيانة المصالح العليا لسوريا، وكل ما قاله بالنسبة لضرب الجيش الإسرائيلى دمشق، أن هناك اتفاقًا لفض الاشتباك عام 1974.
هل نحلم أن نرى سوريا دولة للجميع؟ أخشى ما أخشاه أن تكون دولة دينية تحت قيادة داعشية متطرفة وليست دولة مدنية تطبق المواطنة بمشاركة الجميع، وفى المقدمة المرأة السورية فى الدولة الجديدة، لكننى لا أعتقد أن يتم ذلك فكل شىء تم ترتيبه بين المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، وأخشى أن تتكرر المطامع التركية فى الأراضى السورية، ونكون استبدلنا وصاية بوصاية أخرى أكثر خطرًا.
وهناك قضية أخرى أخطر قد تخطط لها تركيا، بعد أن تقوم مع أمريكا بالاستيلاء على الغاز والنفط فى سوريا ولبنان بعمل مركز لوجستى لنقل الغاز والبترول العربى إلى أوروبا؛ ليكون بديلًا عن الغاز الروسى لأوروبا.
فالمؤامرة أصبحت واضحة وما زال المشهد السورى مليئًا بالفوضى والألغاز والشفرات، خصوصًا ما دار فى الساعات الأخيرة قبل تسليم سوريا إلى جماعات موضوعة على قوائم الإرهاب.
فهل ما زالت جائزة الـ10ملايين دولار على رأس الجولانى موجودة أم تم رفعها بعد لقاء باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأدنى بأحمد الشرع؟ وهو اللقاء الذى لم يتم معرفة ما دار فيه! فأى جائزة أخرى سيتم منحها للجولانى؟ هذا هو السؤال الصعب.
ولكن أن نرى (أحمد الشرع)، وهو ليس بشرع يستقبل أحد المجرمين المطلوبين على قوائم الإرهاب فى مصر، وهو (محمود فتحى)، وفى وجود مسئول من أحد أجهزة الاستخبارات التركية.. هذا يجعلنا نتساءل: ماذا يجرى وماذا يحدث؟ وماذا يُدار ويُحاك ضد مصر والدول العربية فى النفق السرى للإدارة الأمريكية؟ خاصة بعد مجىء ترامب إلى البيت الأبيض وتسلمه الحكم رسميًا يوم 20 يناير المقبل، لكنهم لا يدركون، وسواء يعلمون أو لا يعلمون فإن مصر بشعبها وجيشها عصية على المؤامرات.
كل هذه السيناريوهات دارت وأنا فى الكعبة المشرفة أغتسل من ذنوبى وتقصيرى فى عدم الدفاع عن غزة وبيروت ودمشق، فنحن الشعوب العربية متهمون بالتقصير والكلام، ولا نتحرك خطوة للأمام، لكى ندافع عن أرضنا وعرضنا، فنحن نتكلم فقط لدرجة أن الكلام تعب من الكلام.
وأخيرًا وليس بآخر..
يا رب هل تغفر ذنوبنا نحن العرب وفى العمر ما فيه من سقطات وهزائم وإبادة وتشريد وتنازل عن أراضينا فى فلسطين ولبنان وسوريا؟
ليتنى ما رأيت هذا المشهد ولكن (كيف الخلاص؟) وأنا فى (مكة المكرمة) لا أجد إلا الدعاء أن يخلصنا الله من الصهيونية الدينية والأمريكان، والأهم من شرور أنفسنا.
ويظل السؤال الذى يؤرقنى ويؤلم الأمة كلها هو كيف الخلاص؟ ويبقى الجواب هو اللجوء إلى الله بأن يلهمنا الجواب أفعالًا لا أقوالًا، وينجى الأمة العربية من طوفان الشرور الذى يحيط بها.