أسامة شرشر يكتب: في رحاب المدينة المنورة
المدينة المنورة، مدينة النور، هى واحدة من أقدس الأماكن فى العالم الإسلامي، حيث يشع فيها التاريخ العظيم والروحانية التى لا تُضاهى. إنها مدينة النبى، صلى الله عليه وسلم، التى شهدت تحولات كبيرة فى تاريخ الإسلام، واحتضنت العديد من المعالم التى تروى قصصًا من السيرة النبوية.
وأخذتنى زيارتى الحالية إلى المدينة المنورة فى رحلة عبر تاريخ المدينة، واكتشفت خلالها معالمها التاريخية التى قد تخفى عن الكثيرين، والتى تحمل فى طياتها قصصًا من التضحية والمحبة والإيمان.
قبل الهجرة، كانت المدينة المنورة مدينة صغيرة تعرف باسم يثرب، ومع الهجرة النبوية إليها أصبحت المدينة مركزًا دينيًا وروحيًا، ومعقلًا للدعوة الإسلامية، وأصبحت المدينة التى تحتضن نور الرسالة (المدينة المنورة)، بكل ما تمنحه زوارها من راحة روحية عميقة، وسميت المدينة لأن النبى صنع منها مجتمعًا مدنيًا فى حركة البيع والشراء والمواطنة بمفهومها الشامل.
ورغم شهرة معالم المدينة المنورة مثل المسجد النبوى ومقبرة البقيع، فإن هناك العديد من المعالم التاريخية الأخرى التى تحمل أهمية كبيرة، لكن قد تكون خفية عن الكثيرين. هذه المعالم لا تقتصر على كونها أماكن زيارة، بل هى شهادات حية على حياة النبى، صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أهمها، مزارع النبى صلى الله عليه وسلم
فلقد كانت المدينة المنورة تضم العديد من المزارع التى يملكها النبى، صلى الله عليه وسلم، مثل مزرعة فدك و مزرعة خيبر، وكذلك بئر غرس وهو إحدى الآبار المهمة فى المدينة المنورة، ويعود أصله إلى ما قبل الهجرة، وقد ورد عن النبى، صلى الله عليه وسلم، وصف بئر غرس بأنها «من عيون الجنة»، وأن ماءها أطيب المياه، كما قال النبى، صلى الله عليه وسلم، لعلى بن أبى طالب، رضى الله عنه، عند وفاته: «إذا مت فاغسلنى من بئر غرس بسبع قرب».
وهناك أيضًا بستان المستظل أو مزرعة بئر عذق، وتعتبر هذه البستان من أقدم المعالم التى شهدت استقبال النبى، صلى الله عليه وسلم، بعد هجرته إلى المدينة، وعندما وصل النبى، صلى الله عليه وسلم، ركن إلى عذق (وهو جذع النخلة)، ومن هنا جاء اسم «بستان المستظل»، وأيضًا مسجد مشربة أم إبراهيم، الذى بنى على أرض كانت بستانًا صغيرًا، وكانت مارية القبطية، زوجة النبى، صلى الله عليه وسلم، تسكنه. وقد ولدت فيه إبراهيم بن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذى توفى فى سن صغيرة.
ومن أهم المحطات الروحية فى المدينة المنورة، قبر سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب، فالمرء يجد نفسه يقف طويلًا أمام سيرة هذا العملاق الروحانى الإسلامى الذى كان يغار على الدعوة الإسلامية وعلى أرضه وعرضه، وكنت أتمنى أن يكون بيننا مليون حمزة آخر، يدافع عن القدس وغزة والضفة والجنوب اللبنانى وسوريا الجريحة وبغداد المستهدفة، لكن للأسف الشديد يبدو أنه لم يبقَ فى المنطقة إلا خير أجناد الأرض رجال القوات المسلحة أبناء مصر المحروسة بجيشها وشعبها.
فالمدينة المنورة هى رحاب الروح ومهد الإسلام من بستان المستظل إلى مزارع النبى، صلى الله عليه وسلم، ومن بئر غرس إلى مسجد مشربة أم إبراهيم، كل زاوية فى المدينة تحمل رائحة التاريخ والروحانية التى لا يمكن أن تُنسى، هى مدينة النور التى أضاءت الأرض برسالة الإسلام، ولا يزال نورها يتألق فى قلوب المسلمين حول العالم.
بزيارة المدينة المنورة، تجد نفسك فى مكان لا يشبه أى مكان آخر، حيث تتداخل الروحانيات مع التاريخ، وتجد فى كل زاوية قصة من قصص التضحية، والإيمان، والوفاء.
وإذا نظرنا للمدينة المنورة بعيدًا عن روحانياتها فإننى فى كل مرة أزورها أجد هناك تغييرًا كبيرًا فى البنية التحتية وفى المسجد النبوى الشريف، وهناك توسعات تسير بسرعة الصاروخ فى هذا المكان بدولاب عمل يقوم عليه مجموعة آلاف الشركات التى تعمل ليل نهار بجوار محراب رسول الله.
وعندما سألت أهل المدينة الذين لا يوجد مثيل لهم على الأرض فى ترجمة الدين المعاملة ترجمة حقيقية، والذين تشعر بينهم بالأمان النفسى والروحى وكأنك منهم، عندما سألتهم قالوا لى إن الأمير سلمان بن سلطان، أمير منطقة المدينة المنورة، يعمل ليل نهار، ويشرف بنفسه على تكملة توسعات مسجد الحبيب المصطفى سيد الخلق وخاتم المرسلين بالإضافة إلى محافظات المدينة المنورة شاسعة المساحة مثل العلا وبدر وينبع، فحركة البنية التحتية تعمل فى كل هذه الأماكن، وفى كل المجالات لصالح أهل المدينة، الذين يدعون له، ويتم الآن بعمل عملية إحلال وتجديد لمسجد قباء أول مسجد بنى فى الإسلام.
وأخبرنى عدد من أهالى المدينة بأن الأمير سلمان بن سلطان سحب المشاريع المعطلة منذ 5 سنوات من المطورين، وأعاد التكليف بالانتهاء منها فى فترة زمنية محدد، ولأول مرة يتم توسيع البقيع، ويريد أن يضع المدينة على الخريطة السياحية؛ لأن أهل الضلال كانوا يسمون السياحة الدينية بأنها بدعة وضلال، لكن هذه أحد المعالم التى كان بها النبى، ويجب أن تكون مزارًا روحيًا ودينيًا وتنويريًا للشباب من الأماكن التى يسير فيها الرسول إلى البساتين التى كان يجلس فيها حتى تتحول مدينة رسول الله إلى أهم مدينة سياحية على مستوى العالم العربى.. ولِمَ لا والنبى عليه الصلاة والسلام موجود بين أهلها؟
وما لفت نظرى أيضًا أن هناك 4 جامعات فى المدينة المنورة واحدة فقط خاصة والباقى جامعات حكومية، والغريب أن كل أجناس الدنيا تلتقى فى المدينة المنورة، ولا تشعر بالضجر أو الضيق، ولِمَ لا وأنت فى أرض الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام؟
وعندما تدخل إلى الروضة الشريفة (الحجرة النبوية) تجد أنك انتقلت من عالم إلى عالم آخر، تعيش روحانيات ومشاعر لا يعادلها شىء، وتشعر بأنك أسعد إنسان فى الأرض، وتمتلك خزائن الأرض والجاه والسلطان، ولم لا وأنت فى روضة الرسول، عليه الصلاة والسلام، وبجانبه أبوبكر الصديق أول الخلفاء الراشدين ومعه عمر بن الخطاب ثانى الخلفاء الراشدين وإمام العدل والمساواة وحقوق الإنسان فى عالمنا اليوم.
وتذكرت قول الشاعر:
وعند رسول الله قد نزل الركب
قولوا له يا أحمد قولوا له يا محمد
محب من الزوار عوقه الذنب
ونحن نحمل الآن كثيرًا من الخطايا والذنوب والآثام كمسلمين وعرب ونحن نرى أبناء ديننا وعروبتنا يبادون ويذبحون ويقتلون على الهواء كل ساعة ويصرخون وليس هناك من مجيب أو مستجيب، ولم يعد لهم ولنا إلا الدعاء إلى الله عز وجل أن يزيل الغمة عن شعوبنا العربية والإسلامية فى زمن الجن والشيطان بايدن ونتنياهو وبن غفير وسموتريتش.