أسامة شرشر يكتب: سوريا إلى المجهول
تساؤل مبنى على الدراما والأحداث التى تمت فى غضون ساعات، وبعدما أصبحت سوريا تتجه إلى المجهول وتسقط بالسكتة السياسية، لكن للأسف الشديد هذا الشعب السورى العظيم هو من يدفع فاتورة المؤامرة الصهيونية المخططة، والتى تم تدبيرها بحرفية عالية، لمحاولة إسقاط الدولة السورية بمؤسساتها فى مستنقع الفوضى الخلاقة، وإعادة تقسيم سوريا الوطنية إلى كانتونات وكيانات ومذاهب ما بين الطوائف السنية والشيعية والكردية والدرزية والعلوية والمسيحية، لكن لماذا فعلت أمريكا بالتنسيق مع تركيا – وهناك معلومات حول دور إسرائيل الفاعل ذلك.. وهل قوى المصالح تلعب على حساب الشعوب ووحدة الأراضى أيًا كان النظام؟!
فكل الأنظمة العربية لها ما لها وعليها ما عليها، وهناك قواسم مشتركة بينها لكن أن تكون الانتفاضة والرغبة فى التغيير وإطلاق الحريات والعفو عن المسجونين هى إرادة الشعب فعلًا، وليست مرتبة ومخططة من دول خارجية، وخير دليل على ذلك أن الشعب المصرى قام بثورة تحدث عنها العالم، لكن كانت تحت حماية الجيش المصرى العظيم خير أجناد الأرض، فلذلك تم الحفاظ على مكونات الدولة، بعدما كانوا يعتبرون مصر هى الجائزة الكبرى، لكنهم لا يدركون أن الشعب المصرى وحدة واحدة لا تتجزء عكس ما يجرى فى بعض الدول العربية وخير دليل على ذلك، هو ما جرى بين ليلة وضحاها فى سوريا بعيدًا عن المنظرين والمحللين والمراقبين - وما أكثرهم - لأن هناك لغزًا غريبًا وخطيرًا لما جرى فى حماة وحلب وحمص الاستراتيجية، وأخيرًا دمشق العتيقة والعظيمة بحضارتها وتاريخها وشعبها الذى يرفض الاستسلام، لكنه أيضًا يقبل ألا يحكم من خلال جماعات إرهابية حتى لا ندخل فى مواجهة عرقية ومذهبية ويدفع الوطن فاتورة تقسيم أراضيه، وهذا ما كنا دائمًا نتحدث عنه (وحدة الأراضى السورية) التى تمثل للعرب ومصر البوابة الشرقية للأمن القومى العربى، لكن حتى الآن لم يحدث تصريح من جامعة الدول العربية اللهم إلا بيان ضعيف لا معنى له، وكأن ما يجرى فى سوريا بعيد كل البعد عن الهدف الحقيقى من إنشاء هذه الجامعة.. فهل أصبحت الجامعة عبئًا على المواطن العربى أم أنها إضافة شكلية؛ لتكون شكلًا بروتوكوليًا بدلًا من حل الأزمات والتحديات والحروب فى عالمنا العربى.
الجولانى وأى جولانى آخر، وجبهة النصرة وما أدراك ما النصرة هى صناعة أمريكية من الطراز الأول، فهذه الكيانات الإرهابية المسجلة دوليًا أنها جماعات متطرفة وإرهابية، نشأت جميعًا بعباءة إخوانية منذ ما حدث فى أفغانستان بعد الانتصار على الاتحاد السوفييتى فى هذا التوقيت، وبعدها أصبحت هذه الجماعات الإرهابية لعبة فى يد المخابرات الأمريكية، لكى تصدرها إلى عالمنا العربى، وتنفذ ما قالته كوندوليزا رايس عن تشكيل (الشرق الأوسط الجديد أو القديم بإعادة رسم خريطة جديدة له بإعادة تقسيم المقسم من الأراضى العربية الاستراتيجية)، وللأسف نحن كدول عربية ساهمنا بشكل مباشر أو غير مباشر أن تكون دمشق فريسة الصدام الروسى الأمريكى والصدام الإيرانى مع دول الغرب، والجولانى لا يهتم بفكرة الوطن، لكن يهتم بفكرة الجماعة والتنظيم، ويدعى فى خطابة بالجامع الأموى (الذى كانوا يعتبرونه ضريحًا ورجسًا من عمل الشيطان)، قائلًا: إن (المجاهدين هم الذين حرروا حلب وإدلب وحمص ودمشق)، وهو نفس خطاب جماعة الإخوان الإرهابية، وابحث عن الإخوان تجدهم وراء كل خراب.
وللأسف الشديد أصبحنا نعيش زمن الجولانى القادم من قوائم الإرهاب وأصبح يحكم دولة بحجم وأهمية سوريا، وهذا هو زمن العجائب والغرائب.
فلذلك كانت هذه المؤامرة الأمريكية الصهيونية الإسرائيلية وراء ما حدث من إسقاط الدولة السورية فى مستنقع الفوضى، وأن شكل وطريقة إسقاط النظام هو بناء على (اتفاق الكبار على الصغار)، وستكون هناك دولة كردية وجزء عازل بينها وبين تركيا تابع لأنقرة، وتكون هناك دول سنية وشيعية ودرزية لتصبح سوريا دويلات، فهل هى مؤامرة أم هو تخطيط وإعداد لمؤامرة كبرى باستخدام الأدوات الداخلية لإسقاط الدول العربية دولة تلو أخرى، وكانت البداية سوريا والجائزة الكبرى كانت لنتنياهو واليمين المتطرف الإسرائيلى فقد توغل فى الأراضى السورية وأخد 15 كيلومترًا واحتل المنطقة العازلة، بل إنه مشهد العار قام نتنياهو بالذهاب إلى الجولان والتصوير فوق أرضها ليقول (نحن هنا.. أين حكام العرب؟!) والبقية تأتى، وما أدراك ما تفعله تركيا وبقية الأقليات الأخرى، لكن المسيحيين والدروز والعلويين سيدفعون الثمن مستقبلًا، والتساؤل: هل حدثت خيانة داخل الجيسش السورى أم باتفاق داخل الغرف المغلقة حتى يحدث هذا التحول الدرامى بهذه السرعة التى لا يقبلها عقل أو منطق؟
نحن دائمًا منحازون للشعوب وأن الشعب هو صاحب الأرض والدستور والقانون ولأجله تتشكل الأنظمة فى الدول، لكن أن يحدث هذا السقوط السريع لوزارة الدفاع والجيش السورى، فهناك علامات استفهام لا أحد حتى الآن يعرف شفراتها وجيناتها لكنها ستنكشف فى الفترة المقبلة.. فسوريا تسير إلى المجهول وأى عروبى يبكى على هذا الوطن العظيم وعلى هذا الشعب ذى الحضارة والتاريخ والمفكرين والعلماء، فالحضارات لا تُباع ولا تُشترى، لكن ما أذهلنى هو مشهد نهب البنوك والمتاحف ودار الأوبرا، وكأنها ليست ملكية عامة للشعب، وهذا هو الخطر الذى يهددنا جميعًا.
أعتقد أن التخطيط نجح باستخدام آلات الخيانة والإعلام بديلًا للصدامات العسكرية، فما جرى ويجرى وسيجرى، اللاعب الحقيقى فيه هو أمريكا باتفاق مع تركيا وإسرائيل، لكن كان الموقف الروسى والموقف الإيرانى خارج التوقع وخارج الواقع، ورد الفعل العربى يحتاج إلى تفسير وألف تفسير، فكيف نترك سوريا تقسم بهذا الشكل بعيدًا عن عالمنا العربى، وهى جزء لا يتجزأ من تاريخ العالم العربى وحضارته وهذه هى الطامة الكبرى و(الزلزال السياسي) بل هو زلزال إرهابى جديد سيؤثر على المنطقة والدول العربية المحيطة خاصة العراق والأردن فى المرحلة المقبلة، فالبشير يشكل الآن الحكومة المؤقتة فى سوريا، ويذكرنا ببشير الإخوان فى السودان الذى أوصلها إلى ما هى فيه الآن.
أعتقد أن الأمور تسير بسرعة الصاروخ ولا نعرف حتى الآن (سوريا إلى أين)، وهل سيكون هناك استقرار أم أن هناك دمارًا.
وأعتقد أن الاحتمال الثانى أقرب للواقع فكل مجموعة ستحاول أن تسيطر على الأرض ما بين سوريا الديمقراطية والنصرة، وهذه الجماعات التى يقودها الإخوان فى النهاية، ومعها بقية التنظيمات الإرهابية.
نحن نعزى أنفسنا على أن مصير الشعوب العربية أصبح يُدار من داخل الغرف المغلقة لأجهزة الاستخبارات الأمريكية والصهيونية والعالمية، فهل ننتظر شيئًا آخر حتى نفيق؟ وكما قلتها وأكررها أن (المتغطى بالأمريكان عريان) وأصبح (وعد بايدن أكثر خطورة من وعد بلفور)؛ لأنه لا يحاول إلغاء فلسطين فحسب من على الخريطة، لكنه يحاول أيضًا إلغاء سوريا البوابة الشرقية التى كانت تعتبر الصمام للأمن القومى العربى إذا كان هناك أمن قومى عربى، وخير دليل على ذلك هى خطبة النصر الذى خرج علينا بها بايدن، والتى قال فيها كلامًا معناه أن المؤامرة نجحت، وتم إسقاط الأسد ولا نعرف مكان رحيله؟!
فهل أصبحنا مستباحين إلى هذه الدرجة؟! وأين أدواتنا الاقتصادية وأين ترسانة أسلحتنا الكبيرة جدًا فى عالمنا العربى والإسلامى؟
ما كنت أتمنى أن أعيش فى هذا الزمان وما يجرى فيه من مؤامرات على الشعوب العربية بدءًا من غزة ومرورًا ببيروت وسقوطًا لدمشق وانتهاء ببغداد.
وأكررها شكر الله سعيكم يا عرب والبقية تأتى.