أسامة شرشر يكتب: لماذا حكومة موازية فى السودان الآن ؟

لا شك أن أحداث غزة سيطرت على المشهد العربى، ونسينا أو تناسينا ما يجرى فى بقعة أخرى مهمة عربيًا وإفريقيًا، وهى السودان، حتى تحول السودان إلى (السودان المنسى).
فهناك سيناريو يحاك بهدوء لمحاولة تفكيك السودان إلى دويلات بعد أن حدثت الكارثة الكبرى وهى انفصال الجنوب عن الشمال فى السودان، وهذا الانفصال كان البداية لمخطط كبير لتقسيم السودان (هناك مقولة تقول إن من يملك الأنهار والبحار يسيطر على العالم).
وأرى أن السودان أحد روافد نهر النيل ويملك أفضل مساحة زراعية فى العالم العربى كسلة للغذاء لا يسيطر على أرضه، ولكن يُحتل ويفكك ويُقسَّم ويُباد، وهذه جريمة كبرى فى حق الشعب السودانى، صاحب التاريخ المشترك الكبير مع الشعب المصرى، وأحد روافد الثقافة العربية والحضارة والفكر والشعر والأدب، فالسودان الذى خرج من رحمه أدباء مثل الطيب صالح وشعراء مثل الهادى آدم لا يستحق أن يُباد.
السودان كان دائمًا داعمًا للأمن القومى العربى ولمصر، والعلاقة بين الشعبين أكبر من أن يتحدث أى أحد عنها، فوجود أكثر من 7 ملايين سودانى فى القاهرة يعبر عن أن التواصل الشعبى والنسيج الاجتماعى متغلل فى شرايين بلاد وادى النيل مصر والسودان.
ولكن ها هى ميليشيات الخراب السريع (الدعم السريع) قد جُن جنونها بعدما انحاز الشعب لجيشه الوطنى السودانى، وتعرضت لخسائر غير عادية مع تراجع فى كل مواقع المواجهة فى السودان وأصبحت الخرطوم قاب قوسين أو أدنى من أيدى القوات المسلحة، حتى القصر الرئاسى على وشك العودة لأصحابه، ولكن للأسف الشديد بمساعدة دولة عربية لجأت قوات الخراب السريع إلى حيلة صهيونية قديمة بإقامة حكومة موازية للحكومة الحالية فى كينيا بدعم مادى ولوجستى عربى وإفريقى لمحاولة تحويل السودان إلى مطية لكل من هب من الدول العربية والإفريقية، فللأسف الشديد الدول التى بلا حضارة تحاول أن تسيطر على الدول التى تملك حضارة؛ لأن الحضارة لا تباع ولا تُشترى.
وأعلنت مصر على لسان وزير خارجيتها النشط بدر عبدالعاطى أنها ترفض رفضًا مطلقًا أى حكومة موازية للحكومة الشرعية فى السودان؛ لأن هذا يهدد وحدة وسلامة الأراضى السودانية وينعكس على الحدود المصرية السودانية، ويعقّد المشهد الداخلى ويعمل على عملية نزوح إنسانى وأوضاع إنسانية تحمل المأساة لملايين النازحين السودانيين.
وأتساءل: لماذا لم يتم على هامش القمة العربية الأخيرة فى القاهرة مناقشة قضية السودان لكى يعلم الجميع ما يحاك للسودان وتكون هناك إرادة عربية داعمة لوحدة التراب السودانى وعدم تفكيكها إلى دويلات، وأعتقد أن مصر والسعودية تسيران فى هذا الاتجاه للحفاظ على السودان بمكوناته وتنوعاته وطوائفه وتوجهاته لأنه من البلدان العربية التى لها حضارة وتاريخ وكان دائمًا داعمًا للقضايا العربية والفلسطينة.
ويواجه آلاف النازحين السودانيين من ولاية النيل الأبيض نقصًا حادًّا فى الغذاء والدواء، خاصة أن قوات الخراب السريع تستهدف بصورة عشوائية المدنيين، خصوصًا النساء، وأن هناك روايات وحكايات تؤكد اغتصاب السودانيات بصورة ممنهجة وبشعة وغير إنسانية -للأسف الشديد بدعم وتمويل من دولة عربية- وكذلك يتم استهداف ولايات ومواقع إستراتيجية فى ولايات حتى أصبحت تعانى من شبه انقطاع تام للكهرباء ويتم استهداف مواقع الكهرباء والماء ومحطات البترول لتنفيذ مخطط الاستيلاء على الأرض واغتصاب النساء وقتل الأطفال.
ونتساءل: أين الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والإفريقى؟ فلا يجوز رفض التفكيك أو رفض الحكومة الموازية فقط.. ولكن على الاتحاد الإفريقى والدول العربية والإسلامية أن تستشعر الخطر وأن السودان مهدد بـ(اللا وجود) فى المرحلة القادمة، ناهيك عن أن الدعم العسكرى والمالى الصريح والمباشر للقوات المسلحة السوادنية والشعب السودانى الذى يدعم قواته المسلحة هو طريق الخلاص لخروج السودان من مستنقع «الدعم السريع» ومن يمولها ويدعمها.
أنا أرفض صراحة أى حوار دبلوماسى أو مفاوضات مع أناس يدمرون بلدهم ويغتصبون شعبهم؛ فهؤلاء ليسوا سودانيين ولا يحملون فى شرايينهم دمًا سودانيًّا، ومن يفعل ذلك خائن بدرجة امتياز لمحاولة التحالف مع الأعداء لإسقاط دولته وأرضه والسيطرة على المعادن الهامة فى السودان من ذهب وبترول، من خلال «الدعم السريع» أو أى دعم سريع آخر.
السودان ونحن فى شهر رمضان يعانى من المواجهات العسكرية والحروب والإبادة الحقيقية، وللأسف الشديد على أيدى بعض أبنائه الذين خرجوا من عباءة الشعب السودانى، ولكن الشيطان هو الذى يوجههم وإسرائيل تدعمهم بالمعلومات ودولة عربية تمدهم بالمال والسلاح، ومن يدفع فاتورة الخراب هو المواطن السودانى العظيم الذى تحمل على مدار عام ونصف العام ويلات حرب بلا فائدة بين أبناء شعب واحد، بين فريق يريد خراب البلاد، والجيش السودانى الذى يحافظ على تراب هذا الوطن العظيم.
إن كل عربى وكل مسلم وكل حر على مستوى العالم يدعم السودان الحضارة والتاريخ والبقاء وإن كره الظالمون والكافرون.