أسامة شرشر يكتب: إلى عرفات الله
فى بعض الأحيان يكون الخلاص والتوجه إلى الله ليس هروبًا أو تصوفًا ولكنه إقرار بالحقيقة، فنحن نعيش أيام العشر الأوائل من شهر ذى الحجة التى تُرفع فيها أكف العباد إلى الله ويتوجه الملايين إلى الكعبة المشرّفة وإلى جبل عرفات يؤدون مناسك الحج وأهمها رمى الجمرات وتكون أبواب السماء مفتوحة؛ لأن الحج هو الركن الخامس للإسلام وهو عبادة وطقوس، فإذا أحسن الإنسان تـأدية هذه المناسك بصدق وإخلاص عاد من حجه كيوم ولدته أمه.
فلذلك فى هذه اللحظات الفاصلة فى تاريخ أمتنا العربية والإسلامية وهذا التجمع الإسلامى السنوى فى مكة المكرمة والمدينة المنورة، وبينما ملايين البشر تتوجه قلوبهم إلى السماء، لا نملك إلا أن ندعو لأهلنا فى غزة وفى الضفة الغربية والمرابطين فى المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، ونتضرع إلى الله ألا يتم تهويد القدس وأن يزيل الغمة عن شعب فلسطين الذى يتعرض إلى نوع من الإبادة البشرية، التى لم تحدث من قبل فى تاريخ البشر، لعل الله يستجيب فى هذه الأراضى الطاهرة لدعواتهم وأن يخلصنا من هذا الوباء والطاعون الدولى الذى نعيش فيه الآن.
فأهلنا فى فلسطين يعيشون بين السماء والأرض لا ماء ولا غذاء ولا دواء ولا وقود فى ظل حالة صمت عربى وإسلامى غير مبرر.
فعندما يتوجه الحجيج إلى عرفات ويقبّلون الحجر الأسود يدعون الله لعله يتقبل دعواتهم لأهلنا فى غزة وفى السودان وفى ليبيا وفى كل مكان عربى وإسلامى، وعندما يهبطون إلى أرض يثرب يرددون:
وعند رسول الله قد نزل الركب..
قولوا له يا أحمد يا محمــــــــــد..
محبٌ من الزوار عـَــوَّقه الذنب
لعل شفاعة الحبيب المصطفى تشفع لنا فى الدنيا وفى الآخرة وأن تكون سببًا فى إزالة ما يجرى لأطفالنا ونسائنا وشيوخنا فى غزة والضفة.
إن حالة اللا مبالاة التى نحياها الآن عجيبة جدًّا، ولكن عندما تغيب القوة- كما قال الله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)- فأى شىء فى الحياة يهون أمام كرامة الإنسان وحريته، وتبقى الرئة الوحيدة التى تتنفس منها الشعوب هى التقرب إلى الله، وهذا هو الخلاص الوحيد، لأننا فقدنا كل وسيلة أخرى للخلاص وارتضينا أن نكون عبيدًا وأتباعًا لغير الله، فكل ما يجرى نستحقه للأسف الشديد، ولكن هل هانت علينا أنفسنا وإخواننا فى غزة والقدس والضفة حتى أصبحت المشاهد والمذابح والإبادة والقتل الممنهج لا تحرك مشاعرنا؟!.
وهل سنترك إخواننا وحدهم، بينما الصهاينة يتلقون الدعم الاستخباراتى واللوجستى والمادى والسلاح من الشيطان الأكبر أمريكا ومعه دول أوروبا بينما نحن لا نقدم إلا البيانات والنداءات والتوسلات التى لا محل لها من الإعراب؟!.
وأنا أتساءل ويتساءل معى ملايين العرب والمسلمين فى كل أنحاء المعمورة: لماذا هذه الردة العربية وهذا الضعف العربى، ولماذا تتركون مصر لتتحمل كل شىء فى سبيل القضية الفلسطينية بينما البعض يحاول القفز على الأدوار والبعض الآخر يحاول تحجيم دور مصر؟! ألا يعلمون أن تكلفة اقتصادات الحروب كبيرة جدًّا؟!
ولماذا لا يوجد إجماع عربى على دعم مصر سياسيًا وعسكريًا وماديًا أم أن القضية بيعت داخل الغرفات المغلقة لصالح الصهاينة؟!
الحقيقة أننى لا أقدر- بأمانة الكلمة- أن أهنئ المسلمين بعيد الأضحى المبارك وإخواننا فى الأراضى المحتلة والسودان وسوريا لا يجدون قوت يومهم، بل يتعرضون لمذابح وقتل جماعى بالمجان، فلا أملك إلا الدعوات إلى السماء؛ لعل الله يستجيب لدعائنا لأن غضب السماء علينا كبير ونحن أصبحنا مفعولًا به وليس بفاعل.
ارجع إلينا يا عمر..
فلقد هانت علينا أرضنا وإنسانيتنا وأصبح الدم العربى والإسلامى رخيصًا يباع فى سوق النخاسة الأمريكية والأوروبية.
وخطر على بالى أبيات أحمد شوقى التى غنتها أم كلثوم:
ويا رب هل تغنى عن العبد حجة.. وفى العمر ما فيه من الهفوات
أشك..
اللهم لا اعتراض.