أسامة شرشر يكتب: قراءة في موازنة الحكومة
بالرغم من التعليمات المشددة والمتكررة من الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكومة، بوضع المواطن أولا، وتوفير حياة كريمة للمواطنين، وهو ما رأيناه بأعيننا في مشروعات الإسكان الاجتماعي ومعاشات تكافل وكرامة وإعادة بناء المناطق العشوائية وغيرها الكثير والكثير، إلا أن الموازنة العامة المقدمة من الحكومة هذا العام بكل أبوابها وتوزيعاتها تحاصر المواطن المصري بمزيد من الأعباء المالية وخاصة في الأسعار التى أصبحت خارج السيطرة، حتى وصل كيلو الليمون إلى 100 جنيها، وكأن الحكومة تقول للشعب أن يعصر على نفسه ليمون!
فإيرادات الموازنة تعتمد بشكل كلي وفج على الضرائب التى يتحمل معظمها العاملون في الدولة، أما الحيتان والمحتكرون فيجدون ألف طريق للتهرب من دفع حقوق الدولة ممثلة في الضرائب، وهم أنفسهم الذين يقومون بعمليات تهريب منظم من قطاع الجمارك الأمر الذى يتسبب في إهدار مليارات الجنيهات على خزينة الدولة.
نتيجة عن عدم وجود إيرادات أخرى تمثل نسبة معتبرة في الإيرادات، سواء من الإنتاج أو التصدير، وكأن المواطنين كتب عليهم الجهاد الأصغر وهو الصبر الجميل على هذه الحكومة التى أصبحت «حكومة جباية» بالرغم من توجيهات وتعليمات الرئيس عبد الفتاح السيسي بالانحياز للمواطن الذى تحمل الكثير والكثير.
فالمواطن لا تعنيه أرقام الموازنة أو العجز أو سداد فوائد الديون، بل كل ما يعنيه أن تكون هناك خدمة تعليمية معقولة لأولاده ورعاية صحية داخل المستشفيات التى أصبح حالها يرثى له ولا يوجد بها الحد الأدنى من الأسرة أو حضانات الأطفال بل وفي بعض الحالات لا يوجد بها مستلزمات طبية.
والشىء الذى يدعو للاستغراب أو الاستنكار أن تتعاقد وزارة التربية والتعليم مع 35 ألف مدرس لسد العجز في المدارس، وبعد أن يقوم هؤلاء بتجهيز أوراقهم وبعد التحريات الأمنية وبعد العمل لعدة أشهر بالفعل، فوجئوا أنهم في الشارع، بحجة أن التعاقد انتهى وأن هناك مسابقة أخرى، فإذا كان هناك عجز في المدارس – وبالفعل هناك عجز- فلماذا تقوم الوزارة بطرد المدرسين المتعاقدين معها بالفعل وعمل مسابقة أخرى؟! وإذا لم يكن فلماذا تقوم بعمل مسابقة جديدة؟!... فهذا بلاغ لرئيس الجمهورية للتدخل وإنصاف شباب المدرسين الذين يعانون من اللامسئولية الحكومية التى تتفنن في تعذين المدرسين والمواطنين.
وبالعودة لموضوع الموازنة نجد أن موازنة هذا العام ليس فيها أمل لزيادة الاعتمادات المالية المخصصة للصناعة التى تعتبر العمود الفقرى لأي اقتصاد في العالم، فالحكومة أصبحت تعتمد على الاقتصاد الريعى (الضرائب) وليس الاقتصاد العيني (الإنتاج) وهذا يدعو للتساؤل: ماذا يفعل وزير الصناعة لزيادة الإنتاج؟ وماذا يفعل وزير قطاع الأعمال الذى يقوم بخصخصة الشركات وبيعها ما يتسبب في تشريد العاملين؟
ونحن ننبه من بعض الشائعات التى ترددها المواقع الإخوانية الالكترونية عن زيادة أسعار البنزين والسولار الشهر القادم.
هذه بعض الملاحظات عن السلبيات التى تم إقرارها في البرلمان منذ أيام، ولكن على الجانب الآخر هناك بعض النقاط المضيئة في زيادة المخصصات المقررة للتعليم والصحة بالإضافة إلى خفض معدلات التضخم خلال العام الماضى من 13% إلى 10%.
بالإضافة إلى ذلك تم اعتماد العلاوات المقررة التى تعتبر أقل شئ يمكن تقديمه للمواطن المصري، فضلا عن التنسيق بين السياسة المالية والسياسة النقدية، وهو ما كان سببا رئيسيا في رفع التصنيف الائتمانى لمصر إلى معدلات آمنة وزيادة النمو الاقتصادى ليصل إلى 5.2% وهذا ما تؤكده التقارير الاقتصادية الدولية.
ولكن لا بد أن تكون هناك بيئة عمل آمنة للعمل على إعادة تعيين الشباب وخفض معدلات البطالة لأن العدالة الوظيفية هى ترجمة حقيقة للعدالة الاجتماعية وخاصة أن الحكومة منذ إقرار قانون الخدمة المدنية المرفوض لدينا لم تعين أحدا حتى في المدارس التى تعانى من نقص شديد في المدرسين، وبيئة العمل في المستشفيات طاردة للأطباء.
فلذلك نحن نرى أننا نحتاج إلى عقليات تفكر خارج إطار الرؤية الحكومية وهذا لن يتأتى إلا بتشكيل لجان لإعادة هيكلة نظم الإدارة المحلية التى تعتبر هي الباب الأكبر والحقيقى للفساد، ووضع أسس وقواعد لدعم اللامركزية المالية والاقتصادية والإنتاجية في المحافظات، لاستغلال ثروات وخيرات هذه المحافظات، وأن يكون هناك توزيع عادل لهذه الثروات على المواطنين من خلال تقديم خدمات حقيقية، ومصر قادرة بالفعل على ذلك، خاصة بعد أن قطعت شوطا طويلا في مجالات الطرق والطاقة والمشروعات العملاقة في كل المجالات، مما سيعود بالنفع بشكل مباشر على المواطنين.