النهار
الأربعاء 27 نوفمبر 2024 10:49 مـ 26 جمادى أول 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أســامة شرشر يكتب: أردوغان يفوز على أتاتورك!

النائب والإعلامي أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
النائب والإعلامي أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار

فى مئوية الجمهورية التركية الحديثة التى أسسها مصطفى كمال أتاتورك، استطاع رجب طيب أردوغان أن يفوز فى انتخابات الرئاسة التركية على منافسه كمال كليجدار أوغلو.

فاز أردوغان رغم أنه كانت هناك حرب خفية فى حرب الوكالات الإخبارية بين وكالة الأناضول الرسمية ووكالة أنكا المحسوبة على المعارضة التركية، ولكن اللافت للنظر فعلًا هو السرعة التى ظهرت بها النتائج بعد إغلاق صناديق الاقتراع بساعات معدودة ولم يشكك أحد فى النتائج، لأن الشفافية واحترام الصناديق كانا هما المعيار بعيدًا عن أى تدخل حكومى أو أمنى على الإطلاق، مما جعل النتيجة تظهر دون أي تشكيك أو طعون على النتائج في كل مراكز الاقتراع.

ورغم علمانية الدولة التركية فإن اليمين المتطرف فيها لم يكن له مكان لدى المواطن التركى، واستطاع التيار المحافظ الذى يقوده أردوغان أن يحقق نصرًا استثنائيًّا رغم أن كل الاستبيانات واستطلاعات الرأى كانت ضده قبل الانتخابات، نتيجة الوضع الاقتصادى الصعب، وانهيار الليرة التركية وحالة التضخم الكبير فى الأسعار والزلزال الذى ضرب 10 مدن تركية.

ولكن استطاع أردوغان بحنكته وخبرته السياسية أن يطمئن المواطن التركى، وخاصة الشباب، بأنه قادر على الانتصار فى الحرب الاقتصادية التى تواجهها تركيا، وقال كلمته بأنه لن يسمح على الإطلاق بأن يتدخل صندوق النقد الدولى فى الشأن الاقتصادى التركى قائلًا إنهم لهم سداد الدين فقط.

وأعرب أردوغان فى كلمته فى شرفة القصر الرئاسى فى أنقرة عن أنه من الآن أصبح رئيسًا للذين قالوا لا والذين قالوا نعم، لأنه رئيس للشعب التركى بكل طوائفه المتباينة.. وفى لفتة رمزية رفع يده مع رؤساء الأحزاب المناصرة له، وخاصة سنان أوغان، المرشح الخاسر فى الجولة الأولى، قائلًا: من هنا نبنى تركيا الجديدة.

ولأن أردوغان ذو خلفية ثقافية استطاع من خلال إلقاء أبيات من الشعر لأحد الشعراء الأتراك أن يهز قلوب الآلاف من المواطنين حول القصر الرئاسى وحول شاشات التلفزيون، معلنًا أن تركيا تقود ولا تُقاد، ضاربًا بقوة وبكبرياء تركية أى نوع من أنواع التبعية لأمريكا وأوروبا رغم الحرب الشعواء التى شنتها أوروبا وأمريكا ودعمها للمنافس كمال أوغلو، وحزب الشعب الجمهورى لمحاولة إسقاط الحقبة الأردوغانية، ولكن استطاع أردوغان بدهاء سياسى وخبرة السنين وانحيازه للمواطن، أن يحقق المعادلة الصعبة بفوزه بكرسى الرئاسة التركية لمدة 5 سنوات قادمة، قائلًا إن السياسة الخارجية ستبقى كما هى، وإن هناك تعميقًا للعلاقات مع العالم العربى وروسيا للكشف عن الغاز والبترول لتحويل تركيا إلى مركز للطاقة.

وأتوقع أن تكون أول زيارة لأردوغان إلى المنطقة العربية، إلى السعودية ومصر، وكما قلت منذ عامين إن أردوغان سيحضر إلى القاهرة، لأنه اكتشف أن الدعم العربى اللوجستى والاقتصادى هو الحاضنة الحقيقية للجارة التركية الإسلامية التى تمثل أحد اللاعبين الرئيسيين فى كافة الملفات الدولية، وخاصة فى الحرب الروسية الأوكرانية، وفى الملف الأذربيجانى وفى الناتو الأوروبى.

فلذلك أسس أردوغان ديمقراطية الصندوق الانتخابى فى تركيا التى أذهلت الأصدقاء قبل الأعداء، وكشفت أمام كل وسائل الإعلام أن تركيا واحة للديمقراطية الحقيقية وتحترم الرأى والرأى الآخر وأن نتائج الانتخابات كاشفة عن الفروق البسيطة بين أردوغان ومرشح المعارضة.

أعتقد أن أردوغان أمامه تحديات صعبة، وخاصة فى الملف الكردى والملف السورى.. فهل ينجح أردوغان فى قضية اللاجئين السوريين كما قال بأنه سيوفر لهم بيئة إنسانية لعودتهم إلى الشمال السورى حتى لا يكونوا فى الهواء الطلق؟ وأعتقد أن هناك لقاءً سيجمعه قريبًا بالرئيس السورى بشار الأسد، فى إطار الرباعية التى تضم روسيا وإيران وتركيا وسوريا.

وأعتقد أن الملف الاقتصادى هو عنق الزجاجة والاختبار الحقيقى لأردوغان بعد أن أعطاه الشعب التركى الموافقة على ولاية خامسة، بالإضافة أيضًا إلى ملف تبعات الزلزال وعودة أبناء الشعب السورى إلى مدنهم خلال عام بعد بناء منازلهم ودعم قطر لأردوغان فى هذا الملف.

أعتقد أن الزلزال السياسى الذى أحدثه أردوغان فى الانتخابات التركية سيُدَرَّس للأجيال القادمة ليعلموا أن هذا الرجل استطاع رغم الأزمة الاقتصادية وسوء العلاقات الخارجية مع بعض دول العالم الفاعلة أن ينجح وينال ثقة الشعب التركى مجددًا.

ولا بد أن نرفع القبعة للشعب التركى العظيم الذى استطاع بكل مكوناته السياسية أن يبهر العالم بانتخابات ستظل فى ذاكرة التاريخ التركى درسًا لا يُنسى، ولعلها تكون رسالة لعالمنا العربى أن شفافية الانتخابات وعدم التدخل الحكومى بها، فى صالح الأنظمة وتحقق الإرادة الجمعية للشعوب.

ارحموا من فى الأرض

يرحمكم من فى السماء.