أسامة شرشر يكتب: حاكموا حميدتى وميليشياته
لا شك أن أزمة السودان المريرة فجرت آلامًا وذكريات خطيرة، لمصر ولعالمنا العربى، الذى ينسى ويتناسى موقع السودان الجغرافى المتميز، وشعبها العربى الأصيل، الذى يمتاز بالمروءة والشجاعة ويمتلك ثروات من العقول شعراء وأدباء واقتصاديين وساسة كان لهم بصمات على مر الأيام والتاريخ.
ولا ننسى أن أول صدمة للسودان قبل ما يجرى من أحداث دامية فيه فى شهر رمضان الكريم، بين فئتين من الشعب، وهما أصلًا فئة واحدة- وقعت حين سمح أو وافق النظام السابق فى مصر على انفصال جنوب السودان عن شماله، وكان هذا هو أول مسمار فى نعش استقرار هذا البلد العربى الأصيل، وتوالت بعدها الانشقاقات والقبليات والمحاصصات والولايات؛ حتى فوجئنا بهذا المشهد الذى حدث بين ما يسمى بقوات الدعم السريع وجيش السودان الوطنى الحر الأبى، الذى يعتبر هو العمود الفقرى لهذا الوطن والشعب العريق، شعب النيل الأزرق، وشعب الحضارة، والذى هو جزء لا يتجزأ من وادى النيل الذى يضم مصر والسودان.
هذه المشاهد وهذه الانتهاكات وهؤلاء القتلى والمصابون لا ذنب لهم غير أنهم يدفعون ثمن تهور وجنون حميدتى وميليشياته، الذى يتصارع على السلطة بأى شكل وبأى ثمن ويحظى بدعم خارجى، وهذه هى مشكلة السودان وغالبية الدول العربية أنها أصبحت ساحة لقوى عربية وإقليمية ودولية تفعل بها ما تشاء تحت بند ومسمى القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحيوان، ولا يتركون لشعب السودان الأصيل والمثقف والسياسى أن يختار طريقه ورئيسه بالشكل الذى يريد من خلال صناديق الانتخاب، وأن يعود البرلمان السودانى الفاعل والنشط، وأن تعود مؤسسات الدولة السودانية العريقة إلى شعبها وأهلها وأحزابها وساستها وقواها الوطنية، بلا أجندات ودعم لوجستى ومادى خارجى، لمحاولة تمزيق الهوية السودانية، وإسقاط السودان فى بئر الحروب الأهلية والخيانات، والمحاصصات، وشيطنة الشرفاء فيه واستبعاد المفكرين والباحثين من نساء ورجال السودان الشقيق، الذين لا يرضون لبلدهم أى مهانة أو ذل أو عبودية أو استعمار، وللأسف الشديد كان مقابل رفع اسم السودان من لائحة الجنايات الدولية وفك الأسر عن أمواله هو الاعتراف بإسرائيل، وهذه هى الجريمة الكبرى.
فعندما دخلت أمريكا فى اللعبة السودانية، لمحاصرة الصين فى إفريقيا، انفك العقد، وأصبح السودان ساحة للخلافات والنزاعات وأصبح بالصورة التى نراها، وما كنا نتمنى أن نراها كمصريين، فبالرغم من أن مصر تحتضن حوالى 5 ملايين سودانى فى بلدهم قاهرة المعز نشعر بالأسى والحزن لما يجرى فى الخرطوم وأم درمان وغيرهما من المدن من حالة الفزع والحزن والرعب وانقطاع الكهرباء ونقص الغذاء والدواء وحصار الأطفال والطالبات والطلاب فى المدارس والمعاهد، وأصبحوا رهائن لقوات الدعم السريع، وهو ليس بدعم ولا بسريع، ولكنها قوات الموت البطىء لأبناء الشعب السودانى، وللأسف يستغيث حميدتى بالمجتمع الدولى لحل الجيش الوطنى السودانى الحر، الذى يدافع عن وحدة الأراضى الباقية لشعب السودان الشقيق.
وهنا أتذكر وأنا فى البرلمان أننى كنت من الداعين لأن تكون هناك قوات عسكرية عربية أسوة بالقوات الخاصة بالاتحاد الإفريقى لتكون درعًا واقية لفض النزاعات العربية العربية أو السودانية السودانية أو الليبية الليبية، ولكن جاء الفيتو الأمريكى وأوقف هذه الخطوة؛ لأن وجود قوات عسكرية عربية كان مانعًا وحائلًا دون استمرار المخطط الأمريكى الشيطانى المسمى بالشرق الأوسط الكبير أو الصغير الذى ابتدعته كونداليزا رايس وأيده اللوبى الصهيونى دفاعًا واسترضاء وعربونًا للشقيقة الكبرى وهى إسرائيل.
فما يسمى ثورات الربيع العربى والخريف الأمريكى والأوروبى ما هو إلا تحريك بأيادٍ خفية لنهب ثروات وخيرات هذه الدول لحماية الأمن الإسرائيلى والدولة الإسرائيلية، التى تعتبر امتدادًا للأمن القومى الأمريكى.
وها قد جاء اليوم الذى تسيل فيه الدماء فى شوارع الخرطوم الطاهرة، ويُقتل الأبرياء وهم صيام فى أواخر شهر رمضان، وفى ليالٍ تضم ليلة القدر التى تنزل الملائكة والروح فيها، وهم غير عابئين أو مهتمين، بأن تكون هناك هدنة احترامًا لهذا الشهر الكريم.
وها نحن كمسلمين وكسودانيين وعرب نضرب حتى بأيام الشهر الكريم عُرض الحائط، فبدلًا من أن تتجمع قواتنا السودانية والعربية والإسلامية لإغاثة المسجد الأقصى من أقدام الصهاينة، نتقاتل ونذبح بعضنا البعض من أجل السلطة والسلطان.. فأى امتهان وأى إهانة، للإنسان الذى كرمه الله على سائر المخلوقات؟!.
فارحموا الشعب السودانى العظيم.. وأوقفوا هذه المواجهة العسكرية غير المبررة، لنحافظ على البقية الباقية من الشعب السودانى الحر ووحدة الأراضى السودانية التى تُعتبر هى سلة الغذاء العربى وبوابة إفريقيا، وامتدادًا لنيل مصر الخالد.
والبعض يسأل: لماذا السودان؟
لأنه العمق الحقيقى لأمن الشعب المصرى، وهما بلد واحد فى الأساس بلا حدود أو حواجز، فالهوية السودانية والمصرية هوية قومية واحدة، فلن ننسى أن الشعب السودانى حمل عبد الناصر على الأعناق بعد نكسة 1967، وكان داعمًا من خلال جيشه الأبى، وحارب مع مصر فى نصر أكتوبر 1973، وتحقق النصر المصرى السودانى العربى.
والنيل الذى يروى السودانيين يروى المصريين فى وقت واحد.
وسيظل سد النهضة نموذجًا لتوحد المصريين والسودانيين للحفاظ على مياه نهر النيل.
واسألوا الشاعر محمد الفيتورى والأديب الطيب صالح وكثيرين آخرين من الرموز السودانية العظيمة التى لها بصمات فى التاريخ والجغرافيا السودانية والإفريقية والعربية عن عمق العلاقات المصرية والسودانية.
فالسودان بتركيبته القبلية والجغرافية والإنسانية هو نموذج عربى حقيقى لا تشعر فيه بالغربة أو الاغتراب بل تشعر فيه بالحميمية والإنسانية وصلة الرحم التى أوصى بها القرآن الكريم وكل الرسل.
فأنا أتساءل ويتساءل معى كل شرفاء هذا الوطن العربى العظيم: لماذا لا يتم عقد قمة عربية طارئة باتخاذ قرار بوقف الحرب داخل السودان؟!.
فكفانا تمزيقًا وكفانا حربًا أهلية.
أتمنى ألا يكون السودان امتدادًا لليبيا واليمن السعيد الذى كان فيه القتال الأهلى عملًا من أعمال الشيطان الأكبر الأمريكان والصهاينة.
وأخيرًا.. نحن داعمون للقوات المسلحة السودانية التى هى جزء لا يتجزأ من كل بيت سودانى عظيم.. وهى تستمد بقاءها وقوتها من شرعية الشعب السودانى الأبى.. وسنلتقى قريبًا فى الخرطوم، بعد دحر كل عدوان أثيم، وشيطان عميل.
ونحن نحذر حميدتى وميليشياته من أى مساس بمصرى على أرض السودان، والشعب السودانى سيحاكم حميدتى وميليشياته إن عاجلًا أو آجلًا.
حاكموا حميدتى وميليشياته.. حتى نحافظ على الأرض والعرض والشرف والسودانى.
حفظ الله السودان
أرضه وجيشه وشعبه وأهله الكرام.