أسامة شرشر يكتب: حوار وطنى أم مهرجان سياسى؟!
التساؤل الذى يدور فى الشارع السياسى: لماذا تأخر الحوار الوطنى واستغرق كل هذه المساحة الزمنية حتى تم الإعلان منذ قريب عن بدء جلسات الحوار الوطنى؟ رغم دعوة الرئيس السيسى منذ فترة طويلة بضرورة أن تُعقد جلسات الحوار الوطنى، حيث العالم يمر بمحنة وأزمة سياسية واقتصادية.
وما مغزى عقد هذا الحوار فى هذا التوقيت؟ هل سيكون حوارًا وطنيًّا بمعنى الكلمة وسيتم فتح الملفات المسكوت عنها أم سيكون مهرجانًا سياسيًّا يضم كلمات وينتهى دون تغييرات على أرض الواقع؟!.
رأينا الأحداث والمتغيرات تجرى بسرعة فى العالم، وحتى فى البلدان القريبة منا، مثل إسرائيل التى كانت تدَّعى أنها واحة الديمقراطية، وأصبح الحكم الشمولى المتطرف من خلال نتنياهو هو المسيطر، وتم ضرب ووأد كل القيم الديمقراطية؛ حتى تم التغول على ما يسمى المحكمة العليا عند الصهاينة.
وعلى الجانب الآخر حدث زلزال سياسى فى المنطقة، عندما تقررت عودة العلاقات السعودية الإيرانية برعاية صينية، ولأول مرة تكون الصين شريكًا وضامنًا أساسيًّا، فى الشرق الأوسط.. كما شاهدنا انفراجة سياسية بين مصر وتركيا وعودة العلاقات قريبًا، وأتوقع زيارة أردوغان إلى القاهرة بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية فى شهر مايو القادم.
وكذلك التقارب الواضح مع سوريا التى تمثل البوابة الشرقية للأمن القومى العربى، وعودتها قريبًا إلى الجامعة العربية، وإلى عودة العلاقات بين مصر وسوريا وعدد من الدول العربية.
كل هذه المقدمات تجعلنا نفكر ما فائدة الحوار الوطنى فى هذا التوقيت المهم والحساس؟
وهل سيتم فتح ملف الانتخابات الرئاسية والمحليات وهى فى بداية عام 2024 القادم؟ أى على بعد شهور قليلة؟ وهل سيتم الإشراف القضائى الكامل على هذه الانتخابات؟ بعد أن وافقنا فى البرلمان وفقًا لنصوص الدستور على إنشاء هيئة مستقلة للانتخابات، هذا التضارب الدستورى يجعلنا أولًا نفكر فى تعديل الدستور مرة أخرى وحذف الهيئة المستقلة المشرفة على الانتخابات، وأن نعود إلى الإشراف القضائى الكامل على كل صندوق كما يجرى فى كل دول العالم.
والتساؤل الآخر: هل سيتم فتح النوافذ السياسية فى ملفات الحقوق والحريات وقانون مباشرة الحقوق السياسية والأحزاب، وتغيير نظام الانتخابات البرلمانية للقائمة النسبية وليس المطلقة التى كانت أضحوكة أمام العالم؟ وقد رفضنا هذه التعديلات فى البرلمان، ولكن تم إقرارها من خلال الأغلبية الديناميكية، وها نحن ندفع الثمن لأننا نحتاج إلى برلمان قوى يدعم الدولة المصرية فى المحافل الدولية والإقليمية، ويشعر المواطن المصرى بالأمان والطمأنينة بأن له صوتًا تحت قبة البرلمان يحاسب الحكومة بل يقيلها ويحاكمها محاكمة سياسية، ويرفع العبء اللامحدود عن رئيس الدولة الذى يستجيب فورًا ويصدر قوانين بناء على آهات ومعاناة المواطن المصرى، كما حدث فى قضية الشهر العقارى وقضايا أخرى.
بالإضافة إلى أننا نحتاج إلى ضرورة إجراء انتخابات المجالس المحلية لتكون عونًا ودعمًا للدولة المصرية وترفع العبء عن رئيس الجمهورية وتكون المجالس المحلية لها حق الاستجواب وإقالة رؤساء المدن والمحافظين.
هذا هو الحوار الوطنى بالمعنى الحقيقى، وأن تعود انتخابات اتحاد الطلاب فى الجامعات والمدارس المصرية؛ حتى يتم بناء كوادر حقيقية من الشباب لتحمل المسئولية المستقبلية، ولن يتم ذلك إلا من خلال الانتخابات الشعبية المحلية التى يعبر فيها المواطنون بمنتهى الشفافية والحرية بلا تدخل حكومى، مثلما تم فى انتخابات البرلمان السابقة؛ حتى تكون بوتقة لإعداد الكوادر السياسية التى يكون عندها حلول فى قضايا ومستقبل مصر، لأن الشباب متعطش لممارسة دوره السياسى من خلال الرؤية الواقعية وليس اللقاءات والمنتديات أو الحوارات وأن يطبق هذه الرؤى والأفكار على أرض الواقع من خلال آليات قابلة للتطبيق، وسنجد شباب مصر والمرأة المصرية تواقين لممارسة دور حقيقى بلا أى قيود أو توجيهات أو تعليمات، ومن هنا تكون هذه هى الانفراجة السياسية والحوار الوطنى الذى هو بداية لحل كل المشكلات الاقتصادية من خلال الأفكار والرؤى ومن خلال اختيار وزراء ومسئولين سياسيين لهم القدرة على الإبداع واتخاذ القرار ورفع العبء عن رئيس الجمهورية الذى يعمل ليل نهار بسرعة الصاروخ ولا يجد من يدعمه، مع ضرورة النظر فى تعديل قوانين الهيئات الإعلامية التى أصبحت عبئًا على الدولة والمواطن المصرى، وبالأرقام والإحصائيات نجد تراجعًا فى المشهد الإعلامى المصرى، رغم دعوات الرئيس السيسى ليل نهار أن يواجه الإعلام المصرى الشائعات والأكاذيب والاتهامات من خلال حقائق وأرقام وإحصائيات وشفافية مطلقة؛ حتى لا يلجأ المواطن المصرى للسوشيال ميديا والميديا الأجنبية، مع ضرورة أن يكون للصحافة الإلكترونية فى التعديلات الجديدة، أحد الروافد الإعلامية الجديدة على المشهد المصرى والعالمى، قوانين حقيقية تعطى دلالة بأن هناك حرية للتعبير والرأى والرأى الآخر، لكن بشكل من المسئولية مع ضرورة إصدار تشريعات حقيقية مثل قانون تداول المعلومات، على ألا يمس الأمن القومى المصرى أو العربى لا من قريب ولا من بعيد.
ومن هنا يكون الحوار الوطنى عائده الشعبى والسياسى والاقتصادى والثقافى والمجتمعى أكثر مما نتوقع أو نتخيل، خصوصًا إذا كانت جلسات الحوار الوطنى مذاعة على الهواء مباشرة، وأن يتم بث وإذاعة جلسات البرلمان المصرى بغرفتيه النواب والشيوخ لإشراك الشعب المصرى فى أن يكون له رأى فيما يجرى من أحداث ومجريات سواء داخل الدولة المصرية أو فى الخارج.
وبذلك نكون وضعنا الأسس الحقيقية لبداية مرحلة جديدة يحكمها القانون ويشارك فيها كل فئات الشعب وكل مؤسسات الدولة؛ لأننا حتى الآن نفتقد الوزير السياسى الذى يمتلك الحس بمعاناة الجماهير وأن يكون له القدرة على اتخاذ القرار.
كل هذا لن يتم إلا من خلال حوار وطنى مفتوح يضم كل الاتجاهات والآراء ولا يتم تهميش أى فئة أو كيان، وخاصة المستقلين من الشخصيات العامة المصرية وهم كُثُر، وأن يتم أخذ رأيهم فى قضايا ومشاكل هذا الوطن العظيم، ناهيك عن الجاليات المصرية، والشباب المصرى الدارس فى الخارج، والباحثين الحاصلين على الماجستير والدكتوراه، والذين يجب أن يكونوا شركاء فى هذا الحوار الوطنى الحقيقى.
أعتقد أن هذه روشتة مبدئية لهذا الحوار الوطنى أو اللقاء الشعبى المفتوح مع كل الكيانات وكل النقابات المهنية والعمالية وكل مؤسسات الدولة، مع الإحاطة والعلم، بصدور قرار من رئيس الجمهورية بالعفو الرئاسى عن كل المحبوسين فى قضايا الرأى والتعبير وألا يتم التهاون فى أى قضايا جنائية، لتكون هذه البداية وليس النهاية.
العالم يتغير بسرعة غير متوقعة، ونحن نريد أن يكون لمصرنا دور حقيقى عربيًّا وإقليميًّا ودوليًّا، ولن يتم هذا إلا من خلال تعبئة حقيقية للجبهة الداخلية تكون داعمة للدولة المصرية فى هذا التوقيت الحساس.
أردت أن أكشف مغزى ومعنى الحوار الوطنى، لكى يكون حوارًا استثنائيًّا فى هذه الفرصة الاستثنائية التى لن تتكرر كثيرًا، وأرجو ألا يكون مهرجانًا سياسيًّا على طريقة الحزب الوطنى الذى أسقطه الشعب المصرى فى الميادين، وأن تكون تلك الخطوة نقلة سياسية جديدة وانفتاحًا حقيقيًّا على كل الأصعدة والاتجاهات فى سبيل نقل الحقيقة للشعب المصرى العظيم.
ومن الأبجديات والقواعد المتفق عليها لأى حوار وطنى أن يكون له مدخلات وتكون له نتائج ومخرجات.. والهدف من هذا كله نشر ما يُسمَّى الوعى السياسى، والحقائق بشفافية ومصداقية لدى المواطن المصرى.
وأخيرًا أقولها، كشاهد على جزء من العصر وليس كله، نحن أمة تنام ولكن لن تموت.
فالأمريكان والصهاينة يؤجلون يقظتها وصحوتها بعض الوقت، ولكننى متفائل عندما أرى حقول مصر تنبع بالخير.. وما دام هناك أمل فلن يهزمنا الآخرون، ولكن أخشى على مصر من بعض المدعين الجدد من بعض النخب والأشخاص السياسية والإعلامية والثقافية.
حفظ الله مصر وشعبها وجيشها وأزهرها وكنيستها.