أسامة شرشر يكتب: الإفطار على مائدة شيخ الأزهر
من الرسائل الخطيرة التى قام الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بإرسالها للداخل والخارج من خلال دعوته الوطنية وحسه الدينى كإمام للمسلمين على مستوى العالم، أنه أعدّ مائدة الإفطار فى شهر رمضان داخل أروقة الأزهر الشريف للوافدين من كل جنسيات الأرض من الطلاب المسلمين.. وقام بالإشراف شخصيًّا على هذه المائدة الرمضانية، وهذا ليس بجديد على الشيخ أحمد الطيب، فما يفعله داخل الأزهر الشريف يفعل مثله وأكثر فى مدينته الأقصر، وفى بيته الذى يستقبل من يلوذون به فى رمضان وغير رمضان، من خلال شقيقه الشيخ محمد الطيب.
ولكن دلالة إفطار شهر رمضان هذا العام فى ظل الأزمات والمحن التى يمر بها العالم، ومصر بالطبع، خصوصًا الأزمات الاقتصادية والمالية، أن بشائر الخير تجىء أكثر من العام الماضى باستضافة أعداد أكبر من الطالبات والطلاب الوافدين، وهذا هو التحضر والتسامح والإسلام الحقيقى البعيد عن المغالاة أو التعنت أو التطرف.
فهذا الفقيه العالم الدكتور أحمد الطيب بين الحين والآخر يعطى دروسًا مستفادة أن مصر ستظل بلد الأزهر الشريف، ودولة تلاوة القرآن الكريم، ودولة الإسلام والمسلمين الحقيقيين، وهى دولة الحضارة والتاريخ والتسامح.. فهل هناك أكثر من هذه العدالة بين الوافدين من كل جنسيات الدنيا، وكل من يتواجد تحت سقف الأزهر وأعمدته التاريخية؟!، فالجميع يتناولون طعام الإفطار على مائدة شيخ الأزهر طوال شهر رمضان، والجميع يجتمع على حلقات الفقه والحديث وكل ما يشمله الدين الإسلامى الحنيف.
إن ضيوف مصر الكرام من الطلاب والطالبات هم أخطر وسيلة إعلامية لبلادهم من خلال التواجد الإنسانى والعلمى والدينى الذى لا يعادله أى آلة إعلامية أو إلكترونية. أمام هذا المشهد الحضارى من داخل أروقة الأزهر الشريف، يكون حوار الطلاب والحضارات والأفكار، وهى رسالة أن مصر آمنة بأزهرها الشريف، هذه القلعة الوطنية التى لعبت على مر الأيام والتاريخ أدوارًا وبطولات دينية وسياسية، فالأزهر الشريف كان مقبرة للأدعياء والمتطرفين والإرهابيين، بحسه الوسطى المعتدل الذى يطبق أحكام الشرع ونصوصه بمنتهى البساطة، من خلال إيضاح الحقائق وكشف عورات المدّعين الجدد فى كل المجالات.
بالإضافة إلى أن الأزهر الشريف كان خط المواجهة الأول فى وجه كل المستعمرين وأشهرهم الاحتلال الفرنسى.
ويمثل خط الدفاع الأول للدولة المصرية من خلال ما يسمى بالأمن القومى الدينى الذى هو أخطر من الأسلحة والمدرعات؛ لأنه يواجه الشائعات والأكاذيب والاتهامات والنماذج التى تتمسح بالدين وأنصاف المتفقهين الجدد الذين أصبحوا عالة وعبئًا على الشعب وعلى المسلمين؛ لأنهم لا يفقهون فى الدين شيئًا.
فمن خلال إعلان الجامع الأزهر رؤيته وخطته البحثية والعلمية والدعوية من خلال نظام حقيقى أعجبنى فيه أنه لأول مرة يشارك اتحاد طلاب جامعة الأزهر من الطالبات والشباب فى التنظيم والتخطيط لاستيعاب كل الأعداد التى تهفو حول جامعة الأزهر وعلى مائدة إفطار شيخ الأزهر.
فتم إعداد 260 مقرأة، و78 ملتقى ودرسًا بعد صلوات الظهر والعصر والتراويح، ويتم الإعداد لتنظيم صلاة التهجد فى العشر الأواخر من رمضان، بالإضافة إلى تنظيم احتفالات وأمسيات وندوات خلال الشهر الكريم.
فلا يمكن أن يمر هذا الإفطار الذى ينظمه شيخ الأزهر دون أن نلقى الضوء على هذه المسحة الإنسانية والربانية لهذا المشهد الإبداعى داخل الأزهر الشريف، فشيخ الأزهر الإمام الأكبر يعمل من خلال منظومة متكاملة مع علماء الأزهر وأساتذة جامعة الأزهر وطالبات وطلاب الأزهر فى منظومة تستحق إلقاء الضوء عليها إعلاميًّا وعقد لقاءات مع عناصرها، واستضافة بعض الوافدين على شاشات التلفزيون، فهذا المشهد الرمضانى لا يعادله أى مشهد.
ستظل مصر، بلد الأزهر الشريف، هى حصن الأمان للدارسين والوافدين واللاجئين الذين وصل عددهم إلى أكثر من 12 مليون عربى مسلم، فالأزهر تاريخ عمره أكثر من ألف عام يُحكى ويُبنَى عليه، وكما قال الشيخ الشعراوى، أحد عباقرة الأزهر الشريف، فى مقولته الشهيرة (مصر التى صدّرت علم الإسلام إلى الدنيا كلها، صدّرته حتى للبلد الذى نزل فيه الإسلام، وذلك بنشر العلم من خلال أزهرها الشريف).
ستبقى مصر دولة التلاوة والقرآن والإسلام الوسطى المستنير.
حفظ الله مصر بأزهرها وإمامها الأكبر وعلمائها وأبنائها المخلصين.
ورمضان كريم.