أسامة شرشر يكتب: أخيرًا.. مصر تستعيد دورها فى سوريا وتركيا
لا شك أن عودة مصر إلى سوريا هى عودة إلى العالم العربى، وتمثلت تلك العودة بالزيارة التى قام بها السفير سامح شكرى، وزير الخارجية، إلى دمشق، بعد أكثر من 10 سنوات من التأزم فى العلاقة الاستراتيجية، مع إحدى بوابات الأمن القومى العربى والمصرى الحقيقى الممثلة فى سوريا.
ويكفى أن هذه الزيارة شهدت لقاء الرئيس السورى بشار الأسد وزير الخارجية المصرى والشكر العلنى للشعب المصرى وللرئيس السيسى على الدعم فى مأساة الزلزال التى أصابت الشعب السورى والمصرى والعربى بالصدمة من هول ما عاناه الضحايا والمصابون، خصوصًا مع الحصار الأمريكى والأوروبى للشعب السورى وقياداته والرئيس بشار الأسد، فالغرب ضرب بهذا الحصار كل قواعد الإنسانية والقانون الدولى، وكأن المواطن السورى من كوكب آخر.
وعندما نقارن هذه المواقف مع الهبة الأمريكية والأوروبية لدعم المواطن الأوكرانى بعد الغزو الروسى لأوكرانيا نجد للأسف الشديد أن الشعب السورى والعالم العربى والقضية الفلسطينية والقدس المحتلة خارج حسابات الإدارة الأمريكية، وحتى لقاء العقبة هو مجرد تحصيل حاصل لمزيد من الاستيطان وتصوير المقاومة الفلسطينية على أنها إرهابية.. وكما أردد وأقول دائمًا (المتغطى بالأمريكان عريان).
فالانفراجة السياسية بين مصر وسوريا لا بد أن يعقبها قرار رئاسى بعودة العلاقات المصرية السورية وضرورة عودة سوريا إلى مقعدها فى جامعة الدول العربية.. فهل يُعقل أن تكون سوريا فاعلة فى مقعدها فى الأمم المتحدة بينما تستبعدها الجامعة من عالمها العربى؟! هذه القرارات أعطت مساحة سياسية وعسكرية للوجود الإيرانى الذى نحن سبب فيه كعرب.
فعندما تبتعد مصر، تتوقف العجلة عن الدوران فى العواصم العربية، اتفق من اتفق، وأبى من أبى، فمصر هى حجر الزاوية بشعبها وجيشها وتاريخها النضالى الذى لا يستطيع أحد أن يزايد عليه.. وحتى إن كانت هناك كبوة اقتصادية فالمارد يمرض ولا يموت، ولكنه يعود بمنتهى القوة.
فحراك الدولة المصرية فى عالمنا العربى مهم جدًّا، ولقاء رئيس الوزراء المصرى المهندس مصطفى مدبولى بالشيخ تميم بن حمد، أمير قطر، واللجنة المشتركة المصرية القطرية، يمثلان عودة الصغير للكبير واحتواء الكبير للصغير، فالتداعيات والأزمات السياسية والاقتصادية التى يمر بها العالم تجعل من مصر قاعدة تلاقٍ لا تباعد، وهذا قَدَرُها وقَدْرُها.
وأعجبنى لقاء وزير الخارجية المصرى نظيره التركى، فها هى الأيام تثبت ما قلته منذ أكثر من عام ونصف، أننا سنرى أردوغان فى قاهرة المعز، وعودة العلاقة الدافئة بين الشعبين المصرى والتركى، بعيدًا عن جماعة الإخوان وأخواتها، فطىّ صفحة الماضى والبناء على صفحة جديدة من العلاقات المصرية التركية مهم وضرورى وعاجل ومطلوب فى هذه الفترة التاريخية التى يتشكل فيها العالم.
كل هذا الحراك الدبلوماسى والسياسى الذى تخطوه الدولة المصرية هو حراك تأخر كثيرًا، وخاصة مع الشعب السورى العظيم صاحب الحضارة والتاريخ المشترك، فما زالت صور عبد الناصر منذ عام 1958 حتى الآن، حية، ليس فى البيوت فحسب، ولكن فى قلوب الشعب السورى، بل فى قلوب أهل الشام جميعًا.
فلذلك أطالب وأقترح فتح قنوات للحوار مع الجانب الإيرانى، فنحن عقدنا اتفاقية مع الجانب الصهيونى (إسرائيل)، فلِمَ لا تكون هناك اتصالات معلنة أو غير معلنة مع الجانب الإيرانى؟!.
فنحن لا يمكن أن نغفل دور إيران فى المنطقة الآن، والعلاقات المصرية الإيرانية، بصفة خاصة، ستحل الكثير والكثير من أزمات العواصم العربية سواء فى دمشق أو بيروت أو بغداد أو اليمن غير السعيد.. فالحروب بالوكالة لم يعد لها محل الآن، فى عالم جديد يتشكل، البقاء فيه للتحالف الأقوى.
ونحن كمصر لا بد أن نتجاوز الأسباب التى جعلت من إيران عدوًّا لنا، فأسباب التقارب بيننا أكبر بكثير من أسباب العداء، ودليلى على ذلك ما كان بين مصر وتركيا فى مرحلة من المراحل من حرب إعلامية متبادلة وعلاقات دبلوماسية مقطوعة، وها هى مصر تهب لنجدة الشعب التركى بعد مأساة الزلزال، خصوصًا بعد اللقاء الذى حدث فى الدوحة بين الرئيس السيسى والرئيس أردوغان بترتيب مفاجئ ورائع من أمير قطر.. وهكذا تكون العلاقة بين الكبار.
فإذا كانت أمريكا والدول الغربية تحاول الوصول لصيغة تفاهم مع إيران فيما يتعلق بالملف النووى، فالأولى بمصر والعرب أن يقوموا بحل الخلاف السياسى بين دول الخليج العربى ومصر من ناحية وطهران من ناحية أخرى، فهناك قاعدة سياسية تقول إن عدو الأمس قد يكون صديق اليوم والعكس صحيح، فى ظل متغيرات عالمية سريعة جدًّا، قد تصل إلى حد حرب عالمية ثالثة.
وأعتقد أن موقف مصر مع عدم الانضمام لأمريكا وإسرائيل فى ضرب إيران والرفض المصرى البات والحاسم والاستقبال الرائع من إيران لهذا الموقف قد يكون بداية يتم البناء عليها لعودة العلاقات بين القاهرة وطهران، وأعتقد أن الجانب التركى سيكون له دور فى الملف المصرى الإيرانى.
هنيئًا عودة مصر لعالمها العربى وتركيا، وبإذن الله تعود قريبًا لإيران.
وهنيئًا عودة مصر للشعب السورى العظيم، وأتمنى أن نرى بشار الأسد وأردوغان فى القاهرة قريبًا.
وأتمنى أن تعود العلاقات المصرية العربية كما كانت وأقوى، وأن تستعيد مصر ريادتها الإقليمية من خلال تحركات دبلوماسية وسياسية واقتصادية تعود بالنفع على الشعب المصرى فى ظل الأزمات التى تحاصر العالم.
ويا حكام العالم العربى
ارحموا شعوبكم ولا تعتمدوا على الأمريكان
يرحمكم الله.