النهار
الأحد 29 ديسمبر 2024 08:23 صـ 28 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: حكاية شريف إسماعيل

أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار

هناك حكمة تُقال (لولا صحبة الرجال.. ما عُرف النقص من الكمال)..

وشريف إسماعيل حكاية مصرية خالصة وحدوتة وطنية وإنسانية تجمع فى طياتها الكثير من الأسرار والمفاجآت، فى شخصية محورية لعبت دورًا خطيرًا ومهمًّا فى تاريخ مصر الحديث.

فعندما أصبح شريف إسماعيل وزيرًا للبترول عن جدارة واستحقاق بأدائه وشخصيته وعشقه لتراب هذا الوطن، انفجرت ينابيع الخير من الغاز والبترول فى أكبر اكتشاف بترولى وغازى، وكانت المفاجأة أن جاءت الشركات الأجنبية، وخاصة شركة إينى الإيطالية، ليتم أكبر تعاقد للكشف والتنقيب فى تاريخ وزارة البترول، وكانت هذه هى نقطة الانطلاق والبداية.

وعلى الجانب الآخر، كانت الديون للشركات الأجنبية تتعدى مليارات الدولارات، فاستطاع شريف إسماعيل بحنكته وخبرته أن يجدول هذه المديونيات، وأن يحل هذ اللغز الصعب لأن الظروف الاقتصادية فى هذه المرحلة كانت صعبة جدًّا جدًّا، واستطاع أن يعبر بقطاع البترول الذى يعتبر قاطرة التنمية الحقيقية، من خلال كتائب قطاع البترول، فى قطاع الإنتاج فى الصحراء، والتى تمكنت من تسجيل أعلى معدلات اكتشاف للغاز والبترول لقناعتهم بأن وزير البترول شريف إسماعيل الداعم الأول لهم بلا إعلام أو إعلان، وكان يعمل فى صمت بعيدًا عن الشعارات والمانشيتات والحوارات التلفزيونية.

وكانت أعين الأجهزة المسئولة تراقب لحظة بلحظة أداء هذا الرجل الذى جمع بين الذكاء السياسى والأداء التنفيذى، وجاء اختيار الرئيس عبدالفتاح السيسى لشريف إسماعيل، رئيسًا لوزراء مصر، وأُجريت الانتخابات البرلمانية فى عهده، وكانت أنزه وأفضل انتخابات برلمانية لم يتم فيها أى تدخل حكومى على الإطلاق، وكانت بإشراف قضائى كامل، مما أسفر عن سيطرة المستقلين على البرلمان، وكان هذا هو رأى الشعب المصرى بلا تبرعات أو صناديق أو كراتين، وشهد الإعلام الخارجى قبل الداخلى بنزاهة حقيقية لانتخابات مجلس النواب المصرى بعد ثورة 30 يونيو.

واختار الرجل مجموعة من المعاونين والمستشارين معه، كانوا نماذج حقيقية لنقل الحقيقة بلا تهويل أو تقليل، وكانت العلاقة بين الحكومة والبرلمان نموذجًا للفصل بين السلطات والاحترام المتبادل، وكانت لقاءات شريف إسماعيل بنواب المحافظات نموذجًا حقيقيًّا لاحترام السلطة التشريعية ونواب البرلمان.

ورغم مرضه وتعبه كان يتحمل الكثير والكثير من الانتقادات ويقابلها بمزيد من التوضيح والإيضاح، وكان يحترم الرأى الآخر فى المعارضة، وكل صوت وطنى حقيقى يعمل لصالح الوطن، ولا يفرق بين أغلبية أو أقلية أو بين موالاة أو معارضة.

فقد كان رجلًا سياسيًّا يمتلك أدوات الفرز والحس السياسى، وأخطر ما كان يميز شريف إسماعيل أنه كان يحس بنبض المواطنين والغلابة، وكان يحاول قدر المستطاع وبناء على الإمكانيات المتاحة إزالة كل العقبات ومحاولة نسف الروتين ومافيا الفساد والإفساد فى هذا التوقيت المهم والحساس.

وكانت معرفتى بهذا الرجل قبل أن يصبح وزيرًا للبترول، عندما كان رئيسًا لشركة جنوب الوادى القابضة للبترول، وتبوأ بعدها مناصب عديدة، وكان نعم الإنسان الذى يحترم الآخر.

ولا أنسى مواقفه منا كنواب، فكان داعمًا حقيقيًّا للنواب الذين يعبرون عن نبض الشارع والجماهير ويعملون لصالح الوطن، ولا يفرق بين معارض أو أغلبية، فترمومتر شريف إسماعيل كان المصلحة الوطنية بغض النظر عن التوجه السياسى أو الأيديولوجى أو الانتماء لأى حزب، ولكن المرجعية الحقيقية بالنسبة له كانت الانتماء للوطن.

ولا أنسى أو يتناسى أبناء دائرتى فى منوف وسرس الليان، عندما وافق على تقديم دعم بـ40 مليون جنيه فى هذا التوقيت، لإدخال الصرف الصحى لأكثر من مليون مواطن فى هذه الدائرة الاستراتيجية، وكانت موافقته نابعة من شعاره الدائم (رضا المواطن فى أى مكان فى جمهورية مصر العربية)، وهو الشعار الذى لم يحِد عنه أبدًا.

وكذلك لا ننسى مواقفه الإنسانية، عندما قابل أحد المواطنين من إحدى محافظات الصعيد الشرفاء، لبحث مظلمته، وكان القرار هو الحل السريع.

ولذلك كان قرار الدولة المصرية والشعب المصرى والرئيس عبدالفتاح السيسى، بإقامة جنازة عسكرية للفقيد، رسالة بأن الوطنية ليست شعارًا ولكنها حقيقة تسرى فى دماء هذا الرجل الذى جمع بين الجانب الإنسانى والجانب السياسى، وكان التوافق الشعبى حوله هو رصيده الحقيقى فى أيامه الأخيرة، والتى كان يعمل فيها مساعدًا لرئيس الجمهورية للمشروعات القومية، وحل خلالها الكثير من الأزمات والمواقف، فى وقت كان يحارب فيه مرضًا فتاكًا ولا يشتكى، وكانت الابتسامة الإنسانية عنوانه.

رحم الله شريف إسماعيل، أفضل وأخلص رؤساء الوزراء فى مصر فى العصر الحديث.

وعزاؤنا للشعب المصرى فى هذا الرجل الذى افتقدناه عندما أحببناه.

ونسألكم الفاتحة