النهار
الأحد 29 ديسمبر 2024 08:26 صـ 28 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: نتنياهو وإبادة الشعب الفلسطينى

أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار

لا شك أن مجىء نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى بحكومته المتطرفة العنصرية، يمثل جرس إنذار أخير بأن الصراع فى الشرق الأوسط سيتشعل من القدس والضفة الغربية وغزة، رغم أن العالم ما زال يعانى من قضية الحرب الروسية الأوكرانية التى ستتصاعد آثارها فى السنوات القادمة.

فأن تقوم حكومة إسرائيل المتطرفة بفتح جبهة جديدة فى فلسطين من خلال استهداف الأبرياء فى الأراضى المحتلة والمغتصبة، ومحاولة تهويد القدس الشريفة والاقتحامات المتتالية من المتطرفين والمستوطنين الإسرائيليين لأطهر بقعة على ظهر الأرض بعد الكعبة المشرفة، وهو المسجد الأقصى- دلالة خطيرة جدًّا أننا نتجه إلى حرب شاملة ستكون عاجلًا أو آجلًا حربًا عربية إسرائيلية، وأن الدول التى هرولت لإقامة (اتفاق إبراهام) ستدفع فاتورة دعم الكيان الإسرائيلى على حساب دعم الشعب الفلسطينى الذى يستشهد منه يوميًّا عشرات وربما مئات الشهداء من خلال أعمال بربرية وإجرامية لا مثيل لها فى التاريخ الحديث.

إن نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، بعنصريته وتطرفه ومعه حكومته، وبحجة الحفاظ على الدولة اليهودية العنصرية، يرفض الاعتراف بحل الدولتين، ويرفض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة والمجتمع الدولى، ويرتكب مذابح يومية بحق الفلسطينيين، والعالم للأسف الشديد يكيل بمكيالين.

فالعالم الذى انتفض وقدم كل الدعم المعنوى والعسكرى للشعب الأوكرانى بعد الهجوم الروسى، لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم عما يحدث يوميًّا من قتل للأبرياء فى جنين والقدس والضفة وغزة بل وصلت بالإسرائيليين البشاعة إلى إزالة بيوت الشهداء واستهداف عائلاتهم.

والظاهرة التى لا بد أن نتوقف أمامها ونعترف بها بشكل حيادى وسياسى، أن هناك حراكًا خطيرًا فى إسرائيل، يتمثل فى خروج عشرات الآلاف فى مظاهرات من الإسرائيليين ضد نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، التى تكنّ عداوة شديدة للإسلام والمسلمين وليس الشعب الفلسطينى فحسب، بينما نجد أن الحكومات العربية تمنع أى تظاهرات ضد الكيان الصهيونى فى الشارع العربى، بالرغم من أن هذا أبسط تعبير عن الرفض للإبادة الجماعية بحق الأشقاء الفلسطينيين.

ونتساءل: لماذا لا يتم السماح للشعوب العربية من المحيط إلى الخليج بالتعبير عن رأيها أمام هذه الغطرسة الإسرائيلية وإبادة الفلسطينيين بحماية أمريكية؟!

فهذه علامة استفهام غريبة، رغم أنها ورقة ضغط فى يد الحكام العرب، تعبر عن رفض الشارع العربى للممارسات الإسرائيلية فى الأراضى المحتلة، وعلى الحكومات العربية أن تستفيق من غيبوبتها وانصياعها للإرادة الأمريكية؛ لأن من يحمى الحكام فى كل مكان هم الشعوب وليس أمريكا، والدليل على ذلك ما حدث فى أفغانستان وما يحدث فى العراق، وكما أكرر دائمًا (المتغطى بالأمريكان عريان).

فحكومة بايدن التى جاءت من رحم الحزب الديمقراطى أعلنت صراحة فى برنامجها الانتخابى أن ملف الشرق الأوسط الجديد والقضية الفلسطينية خارج حسابات الإداراة الأمريكية، وهناك نوع جديد من الهوس لدى هذه الإدارة يتمثل فى الصين وجنوب شرق آسيا.

إن زيارة أنتونى بلينكن، وزير خارجية بايدن، واللجوء إلى مصر أولًا، تأكيد أن مصر وحدها وليس أى دولة إقليمية أخرى، قادرة على التوسط لإيقاف أى حرب فلسطينية إسرائيلية، فالدولة المصرية وحدها من تقوم بهذه المهمة الفدائية بصورة مستمرة ومتكررة على فترات قريبة، لأن فلسطين وغزة جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى، والحدود المشتركة تعطى مصر حقًّا أصيلًا وفاعلًا بالتدخل لعدم تحويل القضية الفلسطينية إلى قنبلة موقوتة، وصراع دائم سيدفع ثمنه الجميع.

فادعاءات بعض الدول أن لها دورًا، فإنه دور ثانوى سواء بالتمويل أو بالشعارات، أما فى وقت المحن والأزمات فلا وجود لها على الإطلاق؛ لأنه ببساطة شديدة الخريطة الذهنية والاجتماعية الفلسطينية مرتبطة ارتباطًا كليًّا بالخريطة الذهنية للشعب المصرى، الذى دفع ثمنًا غاليًا فى الصراع مع الكيان الصهيونى.

الأحداث تتصارع والمواقف تتبدل وتتغير ونحن على أبواب حرب عالمية جديدة، لأن بوتين إذا استشعر الحصار العسكرى الأمريكى الأوروبى عليه فى أوكرانيا، فسيكون الخلاص له هو تدمير أوكرانيا وبولندا ودول أوروبا الشرقية، وهى ما ستكون بداية النهاية.

فهل دول العالم ستتحمل فتح جبهة جديدة فى الشرق الأوسط؟! وهى جبهة ستكون أبعادها مدمرة، وخاصة أن الأجيال الجديدة من الشعب الفلسطينى لا تنتمى إلى فتح أو حماس، فالذى قام بالعمليات الأخيرة شباب مجهول من مجموعة مستقلة تسمى عرين الأسود، أخذوا على عاتقهم التصدى للاحتلال الإسرائيلى فى كل الأراضى المحتلة، ووجدوا أن هذا هو الخلاص الوحيد ضد الكيان الصهيونى.

فانتبهوا..

بعيدًا عن الخلافات بين فتح وحماس التى أصبحت مسخة لا محل لها من الإعراب السياسى، فإن الشعب الفلسطينى بأطفاله وشبابه ونسائه ورجاله وشيوخه، يدفعون ثمن الدفاع عن الأرض والوطن والمسجد الأقصى، ولن يصبروا كثيرًا، بعيدًا عن الحسابات السياسية والمواقف الشكلية، وهذا الشعب يصدّر للعالم الآن مذهب الشهداء، وطالما استمرت حكومة نتنياهو بغطرستها واستهدافها للأبرياء، فإن هذه النهاية ستكون حربًا لا نعرف متى تنتهى أو تتوقف.

وإسرائيل لن تتوقف عن هذه الأعمال الاستيطانية والهجمات الإجرامية على المسجد الأقصى إلا فى حالة واحدة، وهى توحد القرار والموقف العربى بشكل حقيقى، وإنصات الحكام إلى الشعوب العربية الغاضبة، فالخلاص قادم بيد الشعب الفلسطينى وأكثر من 5 ملايين لاجئ وجدوا أن الحل السياسى لا مكان له، وأن المقاومة والنضال لاسترداد الأرض والقدس الشريفة هى الحل الوحيد.

وأخيرًا.. انتبهوا من اللقاءات التى قام بها بلينكن، وزير الخارجية الأمريكى، فى مصر، فهو يذكرنا بطريقة وأسلوب لقاءات هيلارى كلينتون وبتخطيط كونداليزا رايس، وشعارات الشرق الأوسط الكبير والصغير، وحقوق الإنسان وغيرها، رغم أن إسرائيل فى نفس اللحظة تقتل الأبرياء فى الأراضى المحتلة، فهو قد ترك القضية الفلسطينية ويتحدث عن حقوق الإنسان فى مصر، وكأن الإنسان الفلسطينى ليس له حقوق.

وعجبى!