أسامة شرشر يكتب: نار الأسعار وسماسرة الدولار
هناك ظاهرة جديدة وخطيرة جدًّا ظهرت فى الآونة الأخيرة، وهى تهريب السلع الغذائية، كما أصبح هناك سماسرة ومحتكرون يجيدون تسقيع أو حجب السلع الاستراتيجية عن المواطنين، والدولار هو الشماعة التى يلجأ إليها الصغير والكبير من مافيا سرقة قوت الشعب المصرى فى ظل ظروف داخلية وخارجية صعبة جدًّا.
ورغم الظروف الخارجية فإن الأمر فى مصر مختلف تمامًا؛ لأن ارتفاع أسعار السلع أصبح فوق طاقة البلاد والعباد، على كل المستويات فى المجتمع، فللأسف الشديد، الطبقة المتوسطة الآن وفى ظل هذه المتغيرات والأسعار الجنونية لكل أنواع السلع، أصبحت تعانى معاناة شديدة مثلها مثل محدودى الدخل، وللأسف الشديد حتى باعة الفول والطعمية تأثروا وأصبحوا يتحدثون عن تأثير ارتفاع الدولار على سلعتهم.
ويبدو أن هناك «لوبى جديد» ومجموعات وسلاسل من المحتكرين والمهربين الذين فقدوا ضمائرهم، وجعلوا هامش الربح فى أى سلعة يتعدى 200%، وليس 10% أو 20% كما هو الوضع فى أى مكان فى العالم، وهذا يدل على أن الحكومة فى وادٍ والشعب فى وادٍ آخر، وأن أدوات الحكومة من أجهزة رقابية وتموينية تعمل بسياسة رد الفعل فى ضبط أطنان من السلع الغذائية فى مخازن فوق الأرض وتحت الأرض، حتى أصبحت الظاهرة الأخطر فى هذه الأزمة هى انتقال مافيا السلع والخدمات بين المحافظات، وحسب المعلومات المتاحة، فإنهم تعدوا المحافظات إلى مناطق حدودية مع الدول مثل السودان وليبيا وغزة، ويقومون بتهريب السلع الغذائية والمشتقات البترولية ليحققوا أرباحًا بالدولار وليس بالجنيه، والذى يدفع ثمن فاتورة فشل الرقابة هو المواطن المصرى بكل مستوياته.
فالأزمات لا تُحل بتسعيرة جبرية أو غير جبرية، ولكن بتشديد الرقابة الحقيقية ومنح ضبطية قضائية وصلاحيات لكل من يعمل فى مجال الرقابة والتفتيش، لأن الأفكار الإجرامية لم تعد مقتصرة على التاجر الكبير فقط، بل امتدت لتشمل صغار التجار أيضًا، والهدف هو تحقيق ربح جنونى على حساب المواطنين، فى ظل تشوهات وثغرات فى القوانين والتشريعات، والدولة تحاول أن تحافظ فى ظل الأزمة على إيصال السلع بسعر حقيقى وليس مبالغًا فيه.
كل هذا يجرى ونحن نصدر بيانات وتصريحات ولكن على أرض الواقع يتم غير ذلك تمامًا، فلماذا لا نعطى المحافظين صلاحيات، كلًّا فى محافظته، لاتخاذ الإجراءات القانونية والردع اللازم، لوقف هذه الفئات الضالة عند حدها؟ ولماذا لا تقوم كل محافظة بعمل قائمة بالمحتكرين وإذاعتها فى وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة يوميًّا؟ فالتجريس والفضيحة عقاب هؤلاء الخونة الذين فقدوا الحد الأدنى من الدين الإسلامى كدين معاملة يحث على عدم الغش فى التجارة (من غشنا فليس منا)، وفى الحديث الشريف «منِ احْتَكَرَ حِكْرَةً يُريدُ أن يُغْلِى بها على المسلمينَ فهو خاطِئٌ»، وهنا أدعو وزير الأوقاف لأن يكلف أئمة المساجد لتكون خطبة الجمعة مخصصة للتنبيه والتحذير من حرمة رفع الأسعار على المواطنين والاحتكار.
فالمشكلة الخطيرة الآن هى تزايد وتنامى أعداد الخارجين عن القانون فى ظل ضعف أدوات الردع، فهم يتكاثرون بأعداد كبيرة جدًّا جدًّا، وكأننا أصبحنا نعيش فى مجتمع المحتكرين وليس مجتمع المصريين، وكميات المظبوطات التى يجرى ضبطها هى قليل من كثير، فمتى يعود الأمان السعرى فى السلع والخدمات للمواطنين؟!.
نحن فى حاجة ماسة إلى حكومة اقتصادية فى هذا التوقيت، وخاصة بعد التوقيع مع صندوق النقد الدولى واشتراطاته، ويجب عدم الالتزام بتقليل المكون الدولارى فى بعض المشاريع، وفى بعض الالتزامات المهمة لأن هذه قرارات سيادية، والأخطر هو رفع التزام الدولة نحو طلبة البعثات الذين يدرسون الدكتوراه والباحثين فى الخارج، فهؤلاء ماذا يفعلون أمام السوق السوداء ومافيا الدولار؟ فالمرضى الذين يذهبون للعلاج فى الخارج تم استثناؤهم، فلماذا لا يتم استثناء طلاب البعثات؟ فالتعليم والصحة وجهان لعملة واحدة.
وأخيرًا أنبه وأحذر قبل صدور القرار، لضرورة عدم رفع أسعار المشتقات البترولية فى هذه الفترة الحرجة، وخاصة أن المواقع الإلكترونية الإخوانية فى الداخل والخارج ترصد وتتابع وتراقب زيادة سعر المشتقات البترولية بصفة خاصة؛ حتى تقوم بتسويق هذا الفشل فى الخارج قبل الداخل!.
فانتبهى يا حكومة من هذا الكمين الإخوانى، لأن رفع سعر المشتقات البترولية سيجعل الأسعار فوق احتمال البلاد والعباد.
أفيقوا؛ حتى لا تضيع مصرنا بين نار الأسعار وسماسرة الدولار.