أسامة شرشر يكتب: إعادة ترتيب البيت المصرى
هناك أنباء ومعلومات تتناقل بين حين وآخر حول إعادة ترتيب البيت المصرى داخليًا وخارجيًا، وأن هناك تغييرات فى الأحزاب السياسية وأن جهات سيادية ودوائر صنع القرار السياسى فى مصر تعكف منذ فترة طويلة على تحجيم الفساد والإفساد السياسى والمالى والأخلاقى الذى طال قيادات كثيرة ممن يُفترض أنهم ينتمون للنخب السياسية.
وتشير الأنباء إلى أن التوقيت الآن مناسب لإعادة ترتيب البيت المصرى السياسى مع التجهيز لحوار وطنى حقيقى لا احتباس وطنى بالمعنى الضيق؛ مما سوف يحدث تغييرات فى الهيكل السياسى فى مصر يشعر به المواطن العادى والرأى العام، ويعطى انطباعات عن تغير حقيقى فى الداخل والخارج.
وهنا لا بد أن نؤكد على ضرورة الاهتمام بإعادة الوعى الحقيقى للشعب بإحداث نقلة نوعية فى الإعلام المصرى ليتماشى ويتواكب مع المرحلة القادمة، لأن هناك حالة غضب عام داخل المجتمع المصرى تنعكس بالتبعية على كل الجاليات المصرية فى الخارج، وأيضًا على قضية جذب الاستثمارات الاقتصادية والسياحية التى تم التراجع فيها كثيرًا.
ولا بد أن نشير إلى إحساس المواطن المصرى بأنه خارج الخدمة، نتيجة ارتفاع الأسعار والتضخم غير العادى وشائعات تحريك الدولار، ولكن أخطر ما يهدد المواطن المصرى هو الأصابع المرتعشة للحكومة فى اتخاذ القرارات الجوهرية، بالرغم من نسمة التغييرات التى تمت فى السياسة النقدية واختيار محافظ جديد ومستشارين على مستوى من الكفاءة والنزاهة والقدرة على اتخاذ القرار وفك التشابكات الخطيرة التى تنعكس على شباب رجال الأعمال، خصوصًا من عدم توافر اعتمادات مستندية أو صعوبة إجراءاتها؛ مما ينعكس بالسلب على الاقتصاد المصرى فى المصانع والمنشآت الإنتاجية، وفى كل المجالات السياحية والصناعية والزراعية.
والأخطر هو شعور المواطن بالخوف من الغد ومن المجهول بسبب الفوضى الإعلامية والأخلاقية والسياسية التى تضرب الكثير من الأحزاب والشخصيات العامة، والتى جعلت الجميع فى مهب الريح، نتيجة يقظة الأجهزة الرقابية التى تدرس بتأنّ كل الملفات المتداخلة والمتشابكة سواء فى البرلمان أو الوزارات أو الأماكن التى تتعامل مع الجماهير بناءً على تعليمات من الرئيس السيسى شخصيًا، بأنه لا أحد فوق المساءلة أو فوق القانون أيًا كان موقعه السياسى أو الإعلامى أو الحزبى.
وأعتقد أن الفترة القادمة التى ستعقب حركة المحافظين القريبة جدًا، ستشهد تغييرات شاملة -حسب المعلومات- فى رؤساء اللجان البرلمانية فى مجلسى النواب والشيوخ، وأن الاختيارات الجديدة ستكون مبنية على الكفاءة وليس الولاءات وعلى السمعة الطيبة، خصوصًا أن الانتخابات الرئاسية على الأبواب فى عام 2024.
وبالحديث عن الانتخابات، فإن انتخابات المجالس المحلية إذا تمت فإنها ستكون بالونة اختبار حقيقية للأحزاب فى اختيار المرشحين بعيدًا عن صناديق النذور السياسية التى جعلت الكفاءات والشرفاء والمستقلين يتباعدون عن المشاركة فى المشهد السياسى أو الإعلامى.
ناهيك عن حالة الفوضى الأخلاقية وانتشار حالات العنف والقتل بين الشباب والحوادث التى هزت الرأى العام أمام الجامعات وفى الشوارع المصرية، وأصبحت الفوضى هى القاعدة والاستثناء هو احترام القانون.. فالشارع المصرى يحتاج إلى وقفة حقيقية لإعادة صورة مصر الجميلة التى تسبب تراجعها فى تراجع حاد فى الجذب السياحى والثقافى والإعلامى، وإعادة الصورة الزاهية مرة أخرى ستعيد مصر للمصريين وتعيد القواعد الأخلاقية والقيمية التى كنا منفردين بها سواء على مستوى العالم العربى أو الإقليمى، لأن المجتمع المصرى يمر بهزات شديدة التأثير، وأتعجب عندما يقول أحد فلاسفة الاقتصاد إن هناك قروضًا آمنة وقروضًا غير آمنة، فالحقيقة أن هناك تصديرًا وصناعة آمنة، وقروضًا غير آمنة.. ولكن لا بد أن نعترف بأنه فى ظل الأزمة العالمية فإن ملف الطاقة والكهرباء والغاز يدار بمهنية وحرفية عالية، مقابل عشوائية شديدة فى ملف العقارات.
وهذا يؤكد على أهمية وضرورة أن يتم إعادة ترتيب البيت المصرى قبل أن ينفجر من الداخل، وأن يتم وضع الأسس والقواعد والقوانين والمعايير التى تجعل البيت المصرى فاعلًا ولاعبًا حقيقيًا فى المشهد الاقتصادى والسياسى والإعلامى الإقليمى، كما يجب أن يشارك الشباب بصورة فاعلة فى عملية إعادة الترتيب هذه، بعيدًا عن المنتديات، مع التأكيد على ضرورة أن تعود الجامعات المصرية للعب دور حقيقى فى المشهد السياسى مع الالتزام الكامل بالأخلاقيات والقيم التى افتقدناها نتيجة العبثية والعشوائية.
كل هذا يجعلنا نؤكد ونطالب بضرورة إعداد خارطة طريق جديدة لإعادة ترتيب البيت المصرى سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا مع وضع ميثاق شرف للشعب المصرى بكل فئاته ابتداء بالعامل مرورًا بالفلاح والصانع ووصولًا إلى النخبة وكل فئات المجتمع المصرى، مع ضرورة المشاركة الفعلية وليس الورقية لكل هذه الفئات، وأن يكون هناك دور فاعل لذوى الاحتياجات الخاصة الذين يبلغ عددهم حوالى 15 مليون مواطن، فى إعادة الترتيب ليس بالشكل ولكن بالمحتوى والمضمون والمعنى.
فأعظم شىء أن يشعر المواطن بالأمان الحقيقى وأن مستقبله آمن تعليميًا وصحيًا ووظيفيًا، وإلا ستكون العواقب وخيمة.
فانتبهوا.. إما أن تعود مصر إلينا، وإلا ستستمر هذه الفوضى، وهذا لن يكون بالشعارات ولا بالكلمات ولكن من خلال المواقف والمبادئ والأفكار والأخلاقيات.. لأن الأمم تسقط عندما تفقد ثوابتها وارتباطها بتاريخها ودينها المستنير، فلا بد أن يكون للأزهر والكنيسة دور فاعل فى إعادة ترتيب البيت المصرى الذى أصبحنا غرباء عنه، فالأمم لا تُبنى بالأقوال ولكن عظمة أى أمة تُبنى بالأفعال.
وأخيرًا يجب أن نُشرك الشعب فى كل شىء، فإذا عرف الشعب المعلومة الحقيقية، يكون الاستقرار والرضا والشفافية النتيجة.
ولكن لا واقع فى واقعنا الواقع
وعجبى!