أسامة شرشر يكتب: بايدن بين شرم الشيخ والرياض
تأتى زيارة الرئيس الأمريكى بايدن إلى العالم العربى بعد فترة طويلة من الخصومة والفجر السياسى فى حملته الانتخابية وبعد وصوله إلى البيت الأبيض وتعهده بأن يجعل السعودية دولة منبوذة فى العالم، وخاصة بعد مقتل الصحفى السعودى جمال خاشقجى، وأن مصر خارج حساباته بسبب ملف حقوق الإنسان والحيوان الذى يدعيه بايدن.
فكانت المحصلة لإدارة بايدن بعد 360 يومًا أن العالم العربى خارج الحسابات، بعدما اتخذ بايدن قرارات من ضمنها عدم اعتبار جماعة الحوثى فى اليمن إرهابية ومحاولات إعادة الإخوان إلى مصر على طريقة أوباما.
وتعود بنا الذاكرة إلى الوراء عدة سنوات عندما جاء أوباما إلى القاهرة؛ حيث إنها مركز الثقل الحقيقى فى العالم العربى، لأن مصر سواء جاءها أوباما أو بايدن أو لم يأتيا إليها، هى بحكم التاريخ والجغرافيا والقوة البشرية والمفكرين وأقوى جيش حقيقى فى المنطقة هى التى تقود العالم العربى فى أى مواجهات أو أزمات حقيقية.. وهذا هو قدر مصر.
ولكن دعونا نعترف بأن شرم الشيخ قبل زيارة بايدن أصبحت هى الملتقى والمطبخ والقاعدة للتنسيق العربى قبل المواجهة مع الرئيس الأمريكى، وخاصة أن كل الحكام العرب أصبح لديهم عقيدة راسخة أن أمريكا فى أى لحظة تتخلى عن حلفائها، بعدما تأخذ كل شىء منهم، باستثناء إسرائيل التى هى الوجه الآخر لأمريكا فى المنطقة، وهى الدولة الوحيدة التى لا تسمح أمريكا لأحد من قريب أو بعيد بالاقتراب منها حتى على حساب مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، وأفغانستان خير مثال على ما تقوم به أمريكا.
أعتقد أن اللقاءات التى تمت فى القاهرة مع ولى العهد السعودى محمد بن سلمان، وقبلها فى شرم الشيخ مع الملك عبد الله الثانى ملك الأردن، والشيخ حمد بن عيسى ملك البحرين، تؤكد أن هناك تنسيقًا فى المواقف على أعلى مستوى بين الدول العربية، وأعتقد أن هناك لقاء مع الشيخ محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات، ومصطفى الكاظمى، رئيس الوزراء العراقى، حتى تتبلور رؤية عربية موحدة.
فهل القضية الآن هى أزمة احتواء إيران نوويًا؟ أم إطلاق يد إيران فى المنطقة العربية؟ هذا هو السؤال الذى ليست له إجابة على مدار سنوات طويلة، بعدما أصبحت إيران لاعبًا خطيرًا فى المنطقة وتتحكم فى بوصلة بعض العواصم العربية.. وأمريكا تحاول الوصول إلى اتفاق نووى ليس من أجل العالم العربى أو الشعوب العربية ولكن من أجل إسرائيل.. فتل أبيب هى المحرك الحقيقى للمواجهة مع إيران، وخاصة أن صواريخها البالستية أصبحت فزاعة لدى الشعب اليهودى، بالرغم من أن طهران لا تتحرك فعليًا إلا ضد الدول العربية، وتقوم بتسليح أدواتها من حزب الله والحوثيين بصواريخ خطيرة جدًا تهدد العالم العربى، بالإضافة إلى الطائرات المسيرة التى أصبحت أداة قوية فى استهداف المواقع البترولية والمطارات والمواقع العسكرية لدول الخليج العربى.
كل هذا يجعلنا نتساءل: لماذا لا تقوم الدول العربية- إذا كانت إيران قد أصبحت بعبعًا للغرب وأمريكا- بالتفاوض مباشرة مع إيران، وتقود مصر- باعتبارها أكبر دولة عربية- والسعودية والإمارات هذه المفاوضات، لتفرض هذه الدول نفسها لاعبًا رئيسيًا فى المفاوضات، بعدما تم استبعادها بفعل فاعل من مفاوضات الاتفاق النووى الإيرانى؟!.
فأنا لا أتخيل أن تجرى مفاوضات فيينا (5+1) مع إيران بدون وجود دول ممثلة للعرب، فأمريكا تلعب باحترافية شديدة، تريد أن تأخذ من العرب ما تريد من بترول وغاز، وأن تطبّع الدول العربية تطبيعًا مجانيًا مع إسرائيل، وفى نفس الوقت تستبعد هذه الدول من المفاوضات مع إيران رغم أن مصالح العرب بحكم الجغرافيا السياسية تفرض عليهم أن يكونوا فى حالة تصالح مع طهران.. ومن يدفع فاتورة العداوة الإسرائيلية الإيرانية هم العرب أنفسهم.
فهل ستبتلع الدول العربية الطعم الأمريكى فى ظل الأزمة الطاحنة فى الطاقة والغذاء والمتغيرات التى تحدث كل ثانية فى العالم والتى انعكست بشكل كبير على الاقتصاد الأمريكى حتى وصل التضخم إلى أعلى مستوياته؟!.
وهل نفيق ونستفيق من هذه اللعبة الجديدة التى تمارسها أمريكا بعد أن أصبح سلاح الطاقة والغذاء مؤثرًا حقيقيًا فى العالم، وخاصة فى أمريكا وأوروبا؟ أم تصبح الدول العربية كبش الفداء، والاحتياطى لأمريكا كى تعبر هذه الأزمة بعدما استخدمت روسيا سلاح البترول والغاز، خاصة ونحن مقبلون على أيام صعبة؟!.
ولا ننسى أن هناك انتخابات طاحنة فى الفترة القادمة بين الحزب الديمقراطى والحزب الجمهورى فى أمريكا، وبايدن يحاول الآن أن يتجمل أمام الشعب الأمريكى بعدما انهارت شعبيته بحسب استطلاعات الرأى.. فهل تكون الدول العربية هى المنقذ لبايدن من هذه الورطة أم يكون لها رأى آخر خلال الزيارة؟!.
دعونا نعترف بأن السعودية فى الموقف الأخير بتصويتها فى الأمم المتحدة حول الأزمة الأوكرانية الروسية، ابتعدت عن البوصلة الأمريكية، التى كانت حليفًا استراتيجيًا لها على مدار 8 عقود من الزمان، بعدما كانت الرياض داعمًا لأمريكا بشكل مباشر وغير مباشر سواء بالاستثمارات أو الأرصدة البنكية أو البورصة أو صفقات السلاح، وكل ما يتمناه رئيس أمريكى فى تمويل ما لا يمول فى كل أنحاء العالم.. ولكن انقلب السحر على الساحر بسبب غطرسة بايدن.
فبعدما كانت السعودية هى رقم واحد داخل البيت الأبيض جاء بايدن ليرفض مجرد الرد على ولى العهد السعودى، فجاء التحرك الواعى من محمد بن سلمان بتغيير البوصلة السياسية تجاه روسيا والصين بصفة خاصة، واللقاء الاستراتيجى الخطير الذى تم مع وزير الخارجية الروسى فى الرياض لمناقشة إنتاج البترول فى أوبك بلس وتأكيد السعودية عدم زيادة الإنتاج؛ فاستشعرت أمريكا الخطر على مصالحها ومكانتها.
كان الموقف السعودى هادئًا وأرسل رسائل فى كل الاتجاهات بأن السعودية ستتعامل مع أمريكا حسب مصالحها وليس مصالح الآخرين، وأصبحت القطيعة السياسية بين البيت الأبيض والديوان الملكى واضحة وعميقة، حتى وصل الأمر إلى حد التفكير فى وقف التسليح، والتبادل الاستخباراتى والمعلوماتى فى الملف اليمنى، ووصلت الهجمات الحوثية مداها؛ حتى طالت شركة أرامكو للبترول، وأصبح هناك دعم لوجستى غير مباشر للحوثيين من خلال الصمت الأمريكى عن الهجمات الحوثية على الرياض وأبو ظبى.
وتكرر نفس الأمر مع مصر، وكانت هناك محاولات لتهميش دورها، حتى جاءت أزمة غزة التى قادت مصر، بحرفية شديدة، جهود وقف التصعيد فيها، ليتم اتصال الرئيس الأمريكى بالرئيس عبد الفتاح السيسى للإشادة بجهود مصر، وهو أمر يؤكد أن بايدن لم يقرأ الواقع السياسى الحقيقى أن مصر فى كل الأحوال رقم صعب فى المعادلة العربية والشرق أوسطية وأن محاولات تجاهلها سياسيًا أو دوليًا لن تنجح على الإطلاق.
فالأحداث والأزمات تؤكد أن مصر هى رقم واحد فى العالم العربى ولا يمكن الاستغناء عن دورها ومكانتها، وها هو منهج الواقعية السياسية الذى انتهجته مصر يؤتى ثماره؛ فجاء الاتحاد الأوروبى إلى مصر لتكون هى نقطة الانطلاق لتأمين الغاز إلى أوروبا، وهذا الموقف ليس بالمصادفة، بل لأن مصر لديها محطات الإسالة الوحيدة فى الشرق الأوسط؛ مما جعلها مركزًا استراتيجيًا للغاز فى الشرق الأوسط.
كل هذه الأسباب والمعطيات تجعلنا نتساءل، ويتساءل المواطن العربى من المحيط إلى الخليج: لماذا تلهث أمريكا الآن لعودة العلاقات الدافئة مع العالم العربى بعد دورها الخفى مع إيران ودورها المعلن فى اليمن؟!.
فهل ستكون اللقاءات العربية فى القاهرة وشرم الشيخ هى حجر الأساس لبناء كتلة عربية يكون شعارها لغة المصالح والكيانات والاتفاقيات والشفافية وتحقيق الأهداف العربية، وأن يكون اللعب على المكشوف سياسيًا وبتروليًا وغازيًا ومعلوماتيًا وفى كل الملفات الشائكة؟!.
أعتقد أن هذه اللقاءات ستسفر عن شروط عربية لوقف تمويل كل الأدوات الإيرانية فى العالم العربى، وأن تكون مصر ودول الخليج جزءًا من أى اتفاقيات مع إيران، وألا تكون هناك اتفاقيات سرية أو تطبيع مجانى مع الكيان الصهيونى، وأن يتم الاتفاق على مسألة حل الدولتين ووضع المسجد الأقصى، وأن القدس عاصمة لدولة فلسطين.
كل هذه الثوابت أساسها الحوار القادم فى الرياض ويتبعه أيضًا، كما سبقه، حوار فى شرم الشيخ؛ لأن مصر هى رأس الحربة.. فهل سننجح هذه المرة فى وضع بايدن وأدواته فى بئر العرب أم ستُباع البئر العربية بلا ثمن؟!.