النهار
الأحد 29 ديسمبر 2024 08:35 صـ 28 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أســـامة شرشر يكتب: ويسألونك عن المرتزقة؟!

الكاتب الصحفي أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
الكاتب الصحفي أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار

أفرزت الحرب الروسية الأوكرانية ظاهرة جديدة قديمة، وهى استدعاء المرتزقة من كل أنحاء العالم.. وتحت شعار (ويسألونك عن المرتزقة؟) قل (المرتزقة حاضرون فى كل زمان ومكان).

لقد جاءت دعوة الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى المفاجئة على المنصات الإلكترونية بطلب مرتزقة لفيلق المتطوعين من كل أنحاء أوروبا والعالم، لتثير قضية فى غاية الخطورة. المشكلة أنه للأسف الشديد حظى هذا المطلب برضا وقبول المجتمع الدولى، مما أعطى إشارة خطيرة بالاعتراف بجيش من المرتزقة، وهى علامة من علامات النظام الدولى الجديد!.

وحتى يعرف القارئ من هم المرتزقة، هم أناس لا عقيدة لهم ولا وطن ولا قضية ولا مبدأ، إلا أنهم يتقاضون أموالًا للقتال فى أى مكان أو زمان وتحت أى راية.. وبهذا التعريف فإننا ندرك خطورة الاعتراف وشرعنة هذا النوع من الميليشيات على المستوى العالمى.

والحقيقة أن روسيا أيضًا استدعت مرتزقة من الشرق الأوسط، وخاصة سوريا، ومن الشيشان، حتى إننا شاهدنا إعلان انضمام قرابة 40 ألف مرتزق للقتال إلى جانب روسيا على الأراضى الأوكرانية بعيدًا عن الجيش النظامى الروسى الذى رفض مشاركة المتطوعين سواء من الروس أو غيرهم.

فأصبحت (التعبئة العامة للمرتزقة) هى شعار المرحلة، ويبدأ معها صراع جديد بين الدولتين المتحاربتين، وكأن الحرب مختزلة فى الميليشيات الجديدة من المرتزقة الذين يقتلون ويدمرون ويحرقون كل ما يقابلهم.. وهذه ظاهرة تستدعى الوقوف والتحليل والتدقيق.

فبالعودة بالذاكرة القريبة، إبان الحرب السوفيتية فى أفغانستان، تم استدعاء آلاف (المجاهدين) العرب، وظهرت طالبان والقاعدة، ليدفع بعدها العالم ثمنًا باهظًا لعملياتهم الإرهابية، التى هزت حتى أمريكا نفسها، وما زال مشهد المرتزقة فى أفغانستان مرتبطًا بأسامة بن لادن والظواهرى، اللذين كانا إحدى الأدوات المخابراتية الأمريكية فى مواجهة المد السوفيتى؛ لينقلب بعدها السحر على الساحر، وتكتوى أمريكا نفسها بنيرانهم.

وأمام غياب الحقيقة الإعلامية وانتشار الأكاذيب والاتهامات والشائعات تضيع الحقائق، فالآلة الإعلامية الغربية تخلت عن أبسط قواعد الإعلام المهنية وهى الحياد، وأصبحت بوقًا للجانب الأوكرانى لتشويه الجانب الروسى، والجانب الروسى يعانى من تعتيم شديد وصل إلى التهديد بحبس أى شخص ينشر أخبارًا عن الحرب مدة لا تقل عن 15 عامًا.

والملاحظة المهمة هنا هى أن استدعاء المرتزقة فى أوروبا بصفة خاصة- إشارة خطيرة إلى اليمين المتطرف فى كل دول أوروبا بأنهم كانوا على حق، وأن رؤيتهم فى القضاء على من يخالف أيديولوجيتهم كانت صحيحة، فها هم معارضوهم أنفسهم يرفعون شعاراتهم! فكأن هذه الحرب تعطيهم شرعية لتنظيم أنفسهم وساحة لتدريب عناصرهم على القتال وتشكيل ميليشيات وسط صمت الحكومات الأوروبية التى كانت تحارب هذا التطرف اليمينى الذى سيكون وبالًا عليهم أولًا قبل أن يكون وبالًا على غيرهم.. ومن سيدفع ثمن احتواء المرتزقة هم الشعوب الأوروبية ومن بعدهم شعوب العالم.. فاليمين المتطرف فى أوروبا أتيحت له فرصة تاريخية لم يكن يحلم بها لتنظيم عناصره من أنحاء أوروبا تحت حجة دعم الحكومة فى أوكرانيا.. وأصبحت الحرب تدور على قيام المرتزقة بحرب عصابات وحرب شوارع فى المدن الأوكرانية.. وستنتقل هذه الظاهرة إلى المدن الأوروبية، وهذا مؤشر خطير لم يحدث فى الحروب العالمية السابقة.

الملاحظة الأخطر هى عدم تحرك هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الحقوقية فى دول العالم وصمتها المطبق فى رفض الاستعانة بالمرتزقة فى هذه الحرب؛ مما يعطى دلالة وإشارة بأن المجتمع الدولى يرحب بهذه الميليشيات الجديدة لتكون إحدى أدوات الصراع فى النظام العالمى الجديد.

الملاحظة الأخرى هى تدخل مواقع التواصل الاجتماعى فى اختيار طرف على حساب طرف آخر، حتى إنها سمحت بالتواصل العسكرى ونشر دعوات لتشكيل ميليشيات واستدعاء مرتزقة، وهذه ظاهرة خطيرة، فكأن هذه الشبكات أصبحت قواعد عسكرية جديدة يتم من خلالها استدعاء الميليشيات وتشكيل العصابات وجلب المرتزقة لمزيد من الخراب والدمار العالمى.

الملاحظة الأخيرة هى أن أمريكا استخدمت كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لإذلال بوتين، وكان آخرها السماح باستدعاء المرتزقة لمواجهة الجيش الروسى، وكأنها لم تتعلم شيئًا من درس أفغانستان، فهى تفتح بوابة جديدة لشر سيطولها ناره مهما طال الزمان، فبدلًا من استخدام أسلوب الواقعية السياسية فى الحوار المباشر مع روسيا لإنهاء هذه الكارثة التى تؤثر على شعوب العالم أجمع، أصبحت أحد رعاة المرتزقة الجدد فى أوكرانيا لوقف المد الروسى.

وأخشى ما أخشاه أن يؤدى ذلك إلى نشوب حرب عالمية ثالثة، لا قدر الله، تُستخدم فيها الأسلحة النووية والبيولوجية والجرثومية؛ مما يؤدى لدمار العالم.

فيا أحرار العالم انتبهوا.. المرتزقة قادمون!