النهار
الأحد 29 ديسمبر 2024 08:58 صـ 28 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: زلزال روسيا.. بين اللاجئين الأوكران وغلاء الأسعار

الكاتب الصحفي أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
الكاتب الصحفي أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار

لا شك أن زلزال الآلة العسكرية الروسية فى أوكرانيا جعل العالم كله فى مهب الريح، فما بين ملايين اللاجئين الأوكرانيين إلى البلاد المجاورة، وصرخات المواطنين المصريين من غلاء الأسعار واستغلال بعض التجار الجشعين، يئن العالم تحت وطأة الحرب.

وما بين مطرقة سماسرة الحروب، والحاجة الاقتصادية للمواطنين يتم حصار المواطنين بزلزال الأسعار، نتيجة تطرف بعض التجار وكأنهم يعاقبون المصريين برفع الأسعار رغم توافر وكفاية المخزون الاستراتيجى من كافة السلع -وهذا أمر يُحسب للحكومة- ولكن يجب أن يكون عقاب هؤلاء المجرمين على شاشات التلفزيون ليكونوا عبرة للآخرين؛ حتى لا يتحول أى حدث فى العالم لفزاعة للمصريين بغول الأسعار.

ومن الأمور العجيبة التى أبلغنى بها أحد أساتذة الجامعات أن بائعى (الفول والطعمية) استغلوا الأمر فى رفع سعر الوجبة الأساسية للمصريين، وهى الوجبة التى تعتبر «أمن قومى غذائى» للشعب المصرى، وهذا أمر عجيب ولا مبرر له أو داعٍ.. وقس على ذلك كافة المواد الغذائية واللحوم والدواجن، وكأن الحرب الأوكرانية على الحدود المصرية!.

المشكلة أن الدولة المصرية اتخذت عدة قرارات قبل الأزمة الأوكرانية الروسية وارتفاع الأسعار العالمية، حيث وفرت كافة الاحتياجات اللازمة لستة أشهر قادمة على الأقل، وفى بعض السلع مثل القمح متوفر لدينا ما يكفى حتى نهاية العام، فلماذا إذًا باع بعض التجار ضمائرهم؟ ولماذا استغلوا هذا الزلزال الروسى فى تحقيق مكاسب غير شرعية، وكأننا نتعامل مع سوق سوداء؟!.

إن استفزاز مشاعر وجيوب المواطنين، بالإضافة إلى رفع هامش الربح ليصل إلى 200%، يمثل جريمة فى حق الوطن والشعب، وعلى حكومة مصطفى مدبولى أن تتخذ ما يلزم من قرارات وإجراءات لردع هؤلاء التجار الجشعين وإنفاذ القانون كاملًا وليس الاكتفاء بالغرامات، بل يجب مصادرة البضائع وسجن المستغلين؛ حتى لا تتكرر مثل هذه المواقف التى استمرأوها على مدار السنوات السابقة محققين ثروات طائلة على حساب فقراء هذا الشعب، الذين هم أغنياء بحقوقهم بالقانون وبالدستور الذى كفل لهم «حياة كريمة».

وعلى الجانب الآخر، نجد مشهد اللاجئين الأوكرانيين الذين يجوبون كل الدول المجاورة بحثًا عن مأوى فى مشهد مأساوى وغير إنسانى وغير أخلاقى صنعته أمريكا ودول حلف شمال الأطلسى (الناتو)؛ حتى يتصدر النازيون الجدد المشهد فى أوكرانيا ويكونوا أداة تمثل أول بالونة اختبار لهم فى مواجهة روسيا وتحقيق أطماعهم.. مقابل ضم أوكرانيا لحلف الناتو؛ حتى يكونوا مسمارًا استراتيجيًّا فى قلب أرض القياصرة التاريخية روسيا.

أعتقد أن أمريكا صنعت من أوكرانيا إسرائيل جديدة فى (آسيا الوسطى)، كما ساهمت ودعمت إسرائيل لتكون خنجرًا فى قلب العالم العربى على حساب الفلسطينيين والسوريين والعراقيين واليمنيين.

ولأن بوتين فطِن استشعر محاولة تكرار مأساة 1990 وتفكيك الاتحاد السوفيتى وحلف وارسو بقرار بوريس يلتسن الذى أصدر مرسومًا بإلغاء النظرية الشيوعية وإعطاء الأمريكان ما يطلبونه وما لا يطلبونه من خلال تفكيك أوروبا الشرقية وضمها إلى حلف الناتو الذى يعتبر سبب نشأته فى الأساس هو الدفاع أمام حلف وارسو وليس تحقيق مطامع عسكرية.. فبوتين أدرك محاولة تكرار هذا الأمر لكنهم لم يتوقعوا تهديده باستخدام الأسلحة النووية، للتصدى للقوميين الجدد الذين يحاول الغرب استخدامهم فى أوكرانيا بقيادة زيلينسكى.

الأزمة فى هذا المشهد المعقد أننا نجد أن الشعب الأوكرانى الذى كان حتى وقت قريب مواطنًا تحت علم الاتحاد السوفيتى يدفع ثمن المؤامرة الأمريكية وتعاونها مع شياطين النازية، والعنف الروسى.. فمشهد الشعب الأوكرانى بأطفاله ونسائه وشيوخه وشبابه هو إنذار إنسانى بأن الحرب العالمية الثانية لن تكون آخر الحروب الكبرى، وأن المصالح تتصالح، وأن القوة الاقتصادية والعقوبات المالية ليست هى الحل أو طوق النجاة.

ولكن أخطر ما فى هذه الحرب أن العالم بتعاطفه مع الشعب الأوكرانى بدأ يرى الصورة كما تجب. وأنه، هذا الشعب، ربما يعيش نفس المأساة التى عاشها الفلسطينيون والسوريون والعراقيون واليمنيون، وأن هؤلاء العرب ليسوا بشرًا من درجة أدنى من البشر الشُّقْر أصحاب العيون الزرقاء، فالمأساة الإنسانية لا تفرق بين لون أو شكل أو عقيدة؛ لأنها طوفان من الجحيم يصيب المشاعر الإنسانية بلا رادع.

فها هو العالم يتذكر الآن حقوق الإنسان والحيوان، فما فعله بوتين كشف للجميع أن العدالة العالمية فى خطر ومأزق، وأن المساواة بين البشر يجب أن تكون هى الحقيقة الوجودية الثابتة فى الحياة، وأن الزلزال الروسى غيَّر شكل الخريطة العالمية، وأنه لا سبيل لإنهاء الفوضى العالمية إلا من خلال الحوار المباشر بين الأطراف المتنازعة روسيا وأمريكا وأوروبا؛ لأن البديل إذا لم يتم فذلك هو نهاية العالم وفناء البشرية.