أسامة شرشر يكتب: انتخبوا العراق
لا شك فى أن العراق -البوابة الشرقية الحقيقية للأمن القومى العربى- عاد إلينا وعدنا إليه، وهناك أمل كبير فى عراق جديد، خصوصًا بعد إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة التى انتهت هناك منذ ساعات، وهى انتخابات تأتى بعد انتخابات شابها العوار فى عام 2018 جعلت الشعب العراقى فى حالة غضب، لأن دولته تمتلك كل أدوات ومقومات الدولة الناجحة، من نفط وموقع وأرض زراعية ونهرى دجلة والفرات، ورغم ذلك فإنها بفعل الخطط والمؤامرات تحولت إلى دولة فاشلة، لكن هذه الكارثة لن تدوم.
وأتوقع أن تعبر نتائج الانتخابات التى جرت منذ ساعات عن أحلام وطموحات وتطلعات الشعب العراقى الذى رفع شعار (انتخبوا العراق)، بعيدًا عن الأحزاب والكيانات الطائفية وبعيدًا عن تقسيم المنقسم أصلًا بين سنة وشيعة، وأكراد ودروز، وتيارات صدرية وسيستانية، وهى التقسيمة التى تؤججها وتدعمها إيران التى أرادت بعد حرب السنوات العشر أن تذل المواطن العراقى بصفة خاصة بدوافع انتقامية.
وليس لدىّ شك فى أن شباب ثورة تشرين الذى قام بانتفاضة حقيقية وثورة شعبية خالصة، خاصة فى البصرة، لن يترك بلده يضيع بين هذه الصراعات الطائفية، والعشائرية، فهؤلاء قدموا أكثر من 6 آلاف شهيد من فتيات وشباب وأطفال ورجال، من أجل التصدى للمحاولات الإيرانية بإسكات أى صوت يدعو لخروج إيران من المشهد السياسى العراقى، حيث يعتبر الوجود الإيرانى فى العراق هو بؤرة التوتر والفساد.
وعجبت للفتوى التى دعت للخروج إلى صناديق الانتخابات تحت شعار (الجهاد الانتخابى)، وهذا فى حد ذاته كارثة تؤكد هيمنة إيران على الانتخابات التشريعية، ومن يدفع فاتورة هذا الفساد الإيرانى هو الشعب العراقى الحر الأصيل.
ناهيك عن المال السياسى الذى وصل إلى مرحلة الفجور الانتخابى فى الانتخابات العراقية، من خلال صرف عشرات الملايين من الدولارات للوصول إلى مقعد البرلمان.. وهذه هى آفة العالم العربى فى كل انتخابات، حيث إن المال السياسى أصبح هو اللاعب الحقيقى فى الساحة السياسية، وسيلة للوصول إلى البرلمان، بغض النظر عن الكفاءات والشرفاء وأصحاب المواقف السياسية الذين لم يعد لهم وجود فى برلمان الشعب وكأنهم ليسوا من الشعب.
وهذه النقطة –نقطة المال السياسى- تحديدًا قد تدمر أى حقوق دستورية وقانونية للمواطن العراقى وأى مواطن آخر فى عالمنا العربى.. ورغم كل الإجراءات الاحترازية من وباء كورونا خلال الاقتراع فإن الوباء الأكثر خطورة وفتكًا بالشعوب هو وباء المال السياسى الذى من شأنه أن يؤدى لمسوخ ووجوه برلمانية مشوهة بلا لون ولا طعم سياسى.
والكارثة الكبرى هى عملية المحاصصة التى تتجسد فى أن يكون منصب الرئيس لطائفة «السنة مثلًا»، ومنصب رئيس الوزراء لطائفة أخرى «الشيعة مثلًا»، ومنصب رئيس البرلمان للأكراد أو غيرهم وهكذا، وهذه هى الطامة الكبرى التى تفتك ببلاد الرافدين؛ لأن الصراع هنا ليس صراعًا من أجل الوطن وليس من أجل المواطن، ولكنه صراع لتقديم الولاءات للجانب الإيرانى أو الجانب الأمريكى أو الجانب التركى، وهذه هى أزمة العراق الكبرى.
ولكن بارقة الأمل الوحيدة فى هذه الانتخابات هى قانون الانتخابات العراقى الجديد، الذى منح المستقلين دوائر خاصة وعددًا معقولًا من المقاعد لأول مرة؛ مما يقلل من تأثير الانتهازيين وأصحاب رؤوس الأموال والفاسدين، وقدرتهم على السيطرة على كراسى البرلمان من خلال ما يسمى «الكوتة» أو القوائم التى كانت نتيجتها فى غاية البشاعة فى الانتخابات التشريعية العراقية عام 2018، لأن نوابها فرضوا مصالحهم وقدموها على مصلحة الوطن، وباعوا الوطن والمواطن العراقى إلى الأمريكان وإيران وتركيا.
فهل يجنى المواطن العراقى ثمار مشاركته فى أخطر انتخابات تشريعية مر بها العراق صاحب الدولة والحضارة والتاريخ؟!.
العراق أرض العلماء الذين إن عدنا بالذاكرة نجد أنهم كانوا أكبر خطر على أعداء العراق طوال التاريخ، فالتاريخ يعلمنا أن أعداء العراق حاولوا تفكيكه للتخلص من علمائه ومفكريه وباحثيه ومثقفيه لأنهم القوة الحقيقية للدولة، وهم الخطر الحقيقى على خونة الداخل وأعداء الخارج.
فهل يعود العراق إلى العرب؟ وهل يعود العرب إلى العراق؟ .. هذا ما ستسفر عنه نتائج الانتخابات التشريعية العراقية.
فلا يهمنى من يكون رئيس الوزراء أو رئيس البرلمان أو حتى رئيس الدولة، ولكن يهمنى أن يكون الشعب العراقى هو الرقم الصعب الذى لا يمكن فك شفراته أو القضاء عليه.
فانتخبوا العراق للعراق.. ومن أجل العراق
يرحمكم الله.