أسامة شرشر يكتب: المشروع القومى لـ«روح أكتوبر»
لا شك أن نصر أكتوبر هو أحد أعظم الانتصارات فى تاريخ مصر الحديث، يوم خالد لمصر والعرب، ذلك النصر الذى نفض عن مصر شعبًا وجيشًا غبار النكسة، وكشف الجوهر الأصيل لشعب مصر وجيشها الأبى خير أجناد الأرض الذى رفض الخضوع لواقع فرضه المحتل، ووضع الخطط موضع التنفيذ حتى استعاد سيناء إلى حضن الوطن.
وبالرغم من أن الحديث عن ذكرى نصر أكتوبر يحمل الكثير والكثير من حكايات البطولات العسكرية بل المدنية، سواء فى التخطيط العسكرى أو التجهيز اللوجستى أو التكتيك السياسى وحتى الصبر والثقة الشعبية فى الدولة قيادة وجيشًا، وصولًا إلى تنفيذ كل هذه المخططات على أرض الواقع بطريقة أذهلت الأصدقاء قبل الأعداء؛ إلا أننى أظن أهم ما يجب نقله للأجيال الجديدة هو (روح أكتوبر) الخالدة.
روح أكتوبر، تلك الحالة النفسية والذهنية التى سيطرت على مصر كلها من الإسكندرية إلى النوبة ومن مطروح إلى القنال، الروح التى حلت حتى على اللصوص والمجرمين؛ فتطهر الجميع، وكانوا كلهم واحدًا.. مدنيين وعسكريين، دولة وشعبًا، هدفهم واحد هو استعادة الأرض المحتلة، وتلقين العدو درسًا يعيد له عقله وينسيه أطماعه فى أرض مصر الغالية، وبذل الجميع فى سبيل تحقيق ذلك الهدف كل غالٍ ونفيس.
لقد بدأت روح أكتوبر تسرى فى المصريين بعد وقوع النكسة مباشرة، وإلا فكيف يمكن تفسير خروج الشعب المصرى لدعم القيادة السياسية ممثلة فى الزعيم جمال عبدالناصر بعد خطاب التنحى الشهير؟
وكيف يمكن تفسير قدرة الجيش المصرى خلال شهور قليلة من النكسة على القيام بعمليات عسكرية مستحيلة بكل مقاييس عصرها خلال حرب الاستنزاف؟
وكيف يمكن تفسير الإدارة السياسية والعسكرية العبقرية لاتفاقيات إعادة تسليح الجيش المصرى بعد النكسة وتحت أعين ونظر العدو؟
وكيف يمكن تفسير التخطيط الفذ والتنفيذ الإعجازى للعمليات العسكرية وتدمير خط بارليف الحصين واستعادة أراضى سيناء بعدما زعمت إسرائيل أنها لن تخرج منها للأبد؟
وكيف يمكن تفسير البطولات الفردية للجنود المصريين خلال معارك حرب أكتوبر والتى تغنى بها الشعراء والأدباء وسجلها التاريخ العسكرى فى أنصع صفحاته بالدم الذى هو أغلى من الذهب؟
وكيف يمكن تفسير ما قيل بأنه بمجرد إعلان الحرب فى السادس من أكتوبر 1973 توقف اللصوص عن السرقة والمجرمون عن إجرامهم احترامًا وتقديرًا للحظة والهدف والغاية الكبرى؟!
أظن أن السبب فى كل ذلك هو (روح أكتوبر) التى أخرجت العبقرية الكامنة فى نفوس المصريين جنودًا كانوا أو قادة، شعبًا أو قيادة، فكان الجميع على قلب رجل واحد، فى سبيل النصر.
فما أحوجنا اليوم لاستعادة (روح أكتوبر) ونقلها لأبنائنا، لمواجهة التحديات والمخاطر التى تحيط بنا من كل جانب!، فمصر تحتاج منا جميعًا أن نستعيد روح أكتوبر، لنكون لها درعًا وسيفًا ضد مخططات الخارج وعملاء الداخل، ولنكون لها يدًا تبنى وتعمر (مصر الجديدة).
فعلى الدولة والشعب العمل لاستعادة (المشروع القومى لروح أكتوبر)، لأننا فى حاجة إلى عودة جديدة لروح أكتوبر فى أصعب مرحلة يمر بها الوطن، لتكون رسالة للأجيال القادمة يتم البناء عليها وليس الهدم.
لأننا بالوعى والحقيقة والحريات وقبول الآخر، نبنى مواطنًا مصريًّا محصنًا ضد دعوات التطرف والأفكار المستوردة، قادرًا على الصمود فى مواجهة دعوات إسقاط الدولة المصرية من الخارج أو أدوات الهدم بالداخل التى تعد أكثر خطورة، لأن الفزاعة الحقيقية هى وعى وضمير المواطن المصرى، فهو حائط الصد الأول لكشف كل السيناريوهات المزيفة.
وهم لن يقدروا على هذا الشعب؛ لأن الجينات المصرية مرتبطة بالأرض والعرض والكرامة.
فادخلوا مصر بسلام آمنين إلى يوم الدين.