أسامة شرشر يكتب: وجع الثانوية العامة
أصبحت الثانوية العامة تمثل وجعًا حقيقيًّا فى البيوت المصرية، يعانى منه المجتمع المصرى عامة، وطلبة الثانوية العامة على وجه الخصوص، فحالات الانتحار التى تابعناها خلال الأيام الماضية لا تحدث فى أى دولة من دول العالم، وتكاد لا نراها إلا فى مصر، وهذا أمر يحتاج إلى خبراء من علماء النفس والاجتماع والتربية والأطباء النفسيين، ليحللوا هذه الظاهرة المتوارثة على مر السنوات، ولكن هذا العام كانت الحالات مفزعة.
ناهيك عن ظاهرة أخرى جديدة وهى كثرة التظلمات من النتيجة؛ حتى وصل عدد مقدمى التظلمات إلى أكثر من 500 ألف طالب فى الوقت الذى يبلغ فيه عدد طلاب الثانوية العامة هذا العام 650 ألف طالب تقريبًا، وهذا يعكس بعدًا جديدًا فى وجع الثانوية العامة، فالآهات والشكاوى والصرخات وصلت إلى حد التظاهرات اعتراضًا على النتيجة التى فاجأت الجميع.
صحيح أن هناك اتجاهًا لتأسيس نظام تعليمى جديد، حسبما أعلن الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم، حيث إن الإصلاح الحقيقى للتعليم يبدأ بتفكيك بعبع الثانوية العامة، وقد استبق الوزير النتائج وأكد أن زمن المجاميع الخرافية انتهى، وأن حمّى الغش الفردى والجماعى التى أصابت امتحانات الثانوية العامة فى السنوات السابقة أصبحت ماضيًا قد انتهى، إلا أننا وصلتنا شكاوى جماعية ومزاعم ظلم لطلاب فوجئوا بأرقام غير متوقعة فى نتائجهم، وهى النتائج التى أصابت البيت المصرى وأولياء الأمور بنوع من الذعر والرعب والخوف من ضياع مستقبل أولادهم، وأصبحت مئات الشكاوى من نظام الدرجات والتصحيح من طلاب على كل المستويات؛ حتى أصبحت الثانوية العام بحق تمثل وجعًا فى كل بيت مصرى.
ونحن نحلل ونراقب ونتابع هذا الوجع الذى أصبح مشاعًا للجميع طلبة وأولياء أمور وحتى مدرسين، حتى ظهرت نتيجة التنسيق لتكشف حقيقة غابت عنا لسنوات أنه ليس المهم الدرجة ولكن المهم التفوق، فرأينا هذا العام طلابًا يدخلون كليات الطب بـ90% والهندسة بـ80% وهناك أماكن فى المرحلة الثانية من التنسيق لكليات الهندسة والإعلام والسياسة والاقتصاد.
وأعود بالذاكرة إلى الوراء لنماذج مصرية، حصلت على الثانوية العامة القديمة بـ(70% و75%)، وكان لها شأن عظيم على مستوى العالم، منهم الدكتور أحمد زويل والدكتور مجدى يعقوب والدكتور هانى عازر والدكتور مصطفى السيد، وآخرون، وبالطبع لا يتسع المجال لذكرهم جميعًا، فالمجموع ليس هو المعيار، ولكن التفوق هو المعيار ما دام جاء بناءً على تقييم علمى دقيق، وما دام الطالب أفضل من زملائه؛ فهو يستحق المكان والمكانة العليا.
وللخروج من أزمة عدم الثقة التى أصابت أولياء الأمور والطلاب فى النتائج، أقترح على الدكتور طارق شوقى أن يسمح للطلاب المتظلمين وأولياء أمورهم- أؤكد أولياء أمورهم- بالاطلاع على أوراق إجاباتهم لإزالة أى شك فى نفوسهم من دقة التصحيح والنتائج، وهذا الأمر سينعكس على الثقة فى النظام التعليمى كله وسيكشف لأولياء الأمور إما صحة تصوراتهم ليتم محاسبة المخطئ، وإما خطأ تصوراتهم فيزول منهم أى شك، بعيدًا عن شعارات ممنوع الاقتراب من أوراق التصحيح (فهذه الأوراق ليست قرآنًا أو إنجيلًا) والتصحيح فى النهاية من صنع البشر.
وفى نفس الوقت فإن هذا الأمر سيعكس ثقة المسئولين عن التعليم فى مصر بالنظام الذى وضعوه وأنهم ليس لديهم ما يخشونه.
وهناك همسة يجب توجيهها لأولياء الأمور بأن استخدام طرق تقييم مبتكرة وحديثة ومعتمدة عالميًّا لتقييم طلاب الثانوية العامة سيعود علينا جميعًا بالنفع والخير، وعلى الطلاب أولًا، لأنهم سيكونون طلابًا على مستوى نظرائهم فى الدول الأخرى، وستكون المنافسة الوظيفية فى صالحهم على المستوى العالمى، وبذلك نضمن أن يكون خريج الثانوية العامة المصرى مدعومًا بأحدث أساليب وطرق التعليم العالمية، وأنه ليست هناك فجوة بينهم وبين نظرائهم فى العالم من حيث المهارات وطرق التفكير.. فالقضية ليست فقط فى المجموع والتنسيق ولكن أيضًا فى ضمان مستوى تعليمى يؤهل أولادنا لسوق العمل، ونحن جميعًا نعلم المستوى المتدنى لمعظم خريجى الثانوية العامة، فى أبسط مبادئ العلوم والآداب، وكل ذلك بسبب عقم طرق التقييم القديمة.
ولأن القضية تتعلق بمستقبل أولادنا فنحن منحازون لهم ومعهم فى شكاواهم وتظلماتهم، حتى يظهر بالدليل واليقين، هل يستحقون أم لا، لأن المادة 19 من الدستور أكدت على ضرورة حماية مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين.
ولا بد أن نعترف بأن هناك سلبيات وضحايا للثانوية العامة هذا العام (بتوع حموة الموس) الطلاب أو المتطوعين بالإكراه للتجارب السريرية (التعليمية).. لأن فقدان الثقة والمصداقية بين الطلاب وأولياء الأمور مع الوزير يمثل الفجوة الحقيقية فى العملية التعليمية.
فعلميات التطبيق والتنفيذ تختلف اختلافًا كليًّا وجزئيًّا عن التصور النظرى، لأن المحتوى والمضمون جاء مختلفًا كليًّا وجزئيًّا عن الشكل، بالإضافة إلى أن هذا النظام الجديد كان الهدف منه القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية، ولكن ما زالت ثقافة الطلاب وأولياء الأمور تتجه للحفظ والتلقين وليس الاختيار والتفكير، والكارثة الحقيقية أنه لم يتم تدريب طلاب الثانوية العامة على نماذج الامتحانات «بثقافة الاختيار» وكذلك المعلمون، وهذا أساس المشكلة .. وهذه هى الطامة الكبرى.
وقد دفع الطلاب ضريبة هذا التخبط فى مجاميع هذا العام.
فلذلك أؤكد على ضرورة أن تكون مراجعة التظلمات ورقيًّا وليست إلكترونيًّا، وهو الحل العملى والواقعى لهذه التجربة الجديدة والفريدة حتى نقضى على أى شائعات من هنا وهناك تطلقها كتائب إلكترونية تحاول أن تحدث أزمة فى البيت المصرى.
فهل ستظل امتحانات الثانوية العامة صنمًا تدور فى محرابه الأسرة المصرية، أم أن تحطيم هذا الصنم هو بداية لعودة الهدوء للبيت المصرى وانتهاء أسطورة بعبع الثانوية العامة؟ وهل سيكون النظام الجديد هو بداية العلاج أم نهاية الثانوية العامة؟
هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.