أسامة شرشر يكتب: صرخات المواطنين من قانون البناء
تصلنى يوميًّا عشرات الصرخات من المواطنين من التعديلات التى أُدخلت على القانون رقم 119 لسنة 2008 والخاص بالبناء الموحد، وبعض المواد التى تسببت فى حالة من البلبلة والغضب بين المواطنين.
وتكمن خطورة القضية فى أن قطاع العقارات يعمل به ملايين المصريين، وأى كساد أو ركود بهذا القطاع يتسبب فى قطع أرزاق ملايين الأسر المصرية، وربما لولا المدن الجديدة التى وجَّه بإنشائها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال السنوات الأخيرة والتى وفرت (أكل عيش) لكل العاملين فى قطاع البناء لكنا أمام كارثة محققة.
فقد تسببت التعديلات الجديدة فى القانون وقبلها قرار وقف البناء فى بطالة نسبة كبيرة من العاملين بقطاع العقارات فى المحافظات من عمال بناء وحدادة ونجارة ومحارة وغيرهم الكثير والكثير بسبب الإجراءات التى يرى بعض المواطنين فيها شروطًا تعجيزية للبناء.
وكنا نتوقع أن تأتى التعديلات الجديدة لحل الموروث المتراكم من المشاكل والتداخل فى الاختصاصات التى أدت لظهور البناء العشوائى والمخالف، بطريقة تسهل الأمر للمواطن الصالح الذى يريد احترام القانون، وفى نفس الوقت تتيح له الاستفادة من كفاحه وعرقه لتوفير حياة كريمة لنفسه ولأولاده من خلال تعديلات تراعى الوضع الحقيقى والفعلى على أرض الواقع، إلا أنه للأسف جاءت بعض التعديلات لتزيد الطين بلة.
فمثلًا وصلتنا شكاوى عديدة من بعض المواطنين من بعض البنود التعجيزية الضرورية لاستخراج التراخيص، فضلًا عن صعوبة استخراج التراخيص الجديدة، أصلًا، إذا رضى المواطن بهذه الشروط، وهو ما يؤكد ما قلته سابقًا، من أن العاملين فى بعض المحافظات وبعض الإدارات الهندسية فى الأحياء والمدن هم فيروس الفساد الحقيقى، وبؤرة الفاسدين الذين تربحوا على حساب المصريين وتفننوا فى تعذيب المواطنين، وأصبحت الرشوة هى القاعدة والأمر الواقع.
وكررنا مرارًا وتكرارًا أنه لا يمكن إحداث تنمية حقيقية إلا من خلال قانون جديد للإدارة المحلية يفكك الإدارات الهندسية بالأحياء التى تُعد الشيطان الذى يكمن فى التفاصيل.
كان التطبيق العملى لتعديلات قانون البناء الموحد على أرض الواقع، هو قمة الخطايا الحكومية، فهناك قنابل موقوتة داخل جثمان قانون البناء الموحد أضرت وتضر بملايين المواطنين الذين فوجئوا بألغاز فى الشروط والتراخيص الجديدة، وما أدراك ما شروط التراخيص!.. مثل عدم البناء أكثر من 4 أدوار، وهو ما سيتسبب- وفقًا لكل آراء الخبراء العقاريين- فى ارتفاع جنونى لأسعار العقارات، خصوصًا فى المدن الصغيرة التى ليس لها ظهير صحراوى للتوسع.
وهناك أيضًا مطالبات بالسماح ببناء الوحدات التجارية فى الأدوار الأرضية بالمدن الصغيرة، وهو أمر اعتاده المصريون ولا يمثل أزمة حقيقية للدولة أو يحدث تكدسًا مروريًّا، خصوصًا فى الأقاليم، فهذه الوحدات التجارية تمثل لهذه الأسر مصدرًا جيدًا للدخل يعينهم على أعباء الحياة.
والشرط الأغرب الذى يعتبر فى رأيى مخالفة دستورية وقانونية، هو التمييز بين المواطنين فى مساحات البناء، وهو أمر عجيب لم نره من قبل، فالمواطن الذى يمتلك قطعة أرض أقل من 175 مترًا يحق له بناؤها بالكامل، أما من يمتلك قطعة أرض أكثر من 175 مترًا فلا يحق له بناء أكثر من 70% منها، وهو أمر عجيب وغريب ولا أظنه دستوريًّا.
ناهيك عن قضية ضرورة تسجيل الأرض بالشهر العقارى لاستخراج تراخيص البناء، وهذه هى الطامة الكبرى، فحكومتنا (الذكية) تعلم أن أغلب المبانى والأراضى غير مسجلة فى الشهر العقارى، وبذلك فهى تضع شرطًا تعجيزيًّا لعدم توصيل الخدمات والمرافق للمواطنين، وهذا هو السر الذى يجعل سماسرة ومافيا البناء يعيشون ويتربحون من أموال المصريين الشرفاء.
صحيح أن الرئيس عبدالفتاح السيسى تدخَّل لتأجيل التسجيل الإلزامى للعقارات والأراضى بالشهر العقارى لمدة عامين، إلا أن السؤال الذى لا توجد إجابة عنه هو: لماذا تصدِّر الحكومة الأزمات لرئيس الجمهورية ولا تحلها إلا فى الوقت الضائع أو بعد تدخل الرئيس شخصيًّا؟!
فلذلك أقترح عمل استدراك وتعديل على تعديلات قانون البناء الموحد، ليكون أهم ما فيه تسهيل الحصول على التراخيص بصورة مبسطة وواضحة للمواطن، وإلغاء شرط التسجيل فى الشهر العقارى لأنه شرط مكلف جدًّا من الناحية المادية، وغير عملى من الناحية الواقعية؛ فمكاتب الشهر العقارى بالمحافظات تعانى أصلًا من عجز فى عدد الموظفين، فكيف يضاف إليها عبء تسجيل ملايين الوحدات السكنية والآلاف من قطع الأراضى سنويًّا؟!
وكذلك يجب إعادة النظر فى الحد من الارتفاعات فوق 4 أدوار، وأيضًا ضرورة الموافقة على قضية الترخيص بفتح محلات تجارية فى الأدوار الأرضية بالمدن الصغيرة بالمحافظات؛ حتى يحدث نوع من الرضا فى الشارع المصرى لدى الشعب، لأن الشكاوى والصرخات والآهات التى وصلتنا من الأهالى من هذا التناقض فى التطبيق العملى على أرض الواقع، كثيرة ومؤلمة، مما يُحدث فراغًا إنسانيًّا واجتماعيًّا ومعيشيًّا بين المواطنين الذين أصبحوا يلهثون تحت وطأة الحياة.
ولذلك يجب أن ننتبه إلى أن أى إصلاح تشريعى سيعود بالنفع على الدولة والمواطنين وسيُحدث راحة نفسية وأمانًا اجتماعيًّا لدى المصريين الذين تحملوا ما لا يتحمله أحد فى صبرهم على ضيق الحال؛ فهم يحتاجون إلى دعم واقعى لاستمرار الحياة، وهذا التنفس البنائى يمنح رئة جديدة وشرايين تحمل الدم للمصريين لأن ارتباطهم بالأرض ارتباط بالعرض.. وهم أحق بكثير من هؤلاء المحتكرين والفاسدين الذين باعوا ضمائرهم فى محاولة الثراء على حساب الشعب المصرى الذى يمثل حجر الزاوية الحقيقى فى دعم الدولة المصرية.
استقيموا يرحمكم الله.