أسامة شرشر يكتب: يا روح ما بعدك روح!
لا شك أن رد نيكولا دى ريفير، رئيس مجلس الأمن حاليًّا، بشأن شكوى مصر للمجلس من الموقف الإثيوبى فى أزمة سد النهضة وما يمكن أن ينجم عنه من تهديد للسلم والأمن الدوليين والذى لخص فيه رؤيته لحل النزاع والصراع بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى- كان غريبًا، فالرجل قال إنه ليس بيد مجلس الأمن شىء إلا حث الأطراف الثلاثة على التفاوض وأنه ليس هناك آلية لفصل النزاع.
وهذا الرد فى حد ذاته كارثة كبرى، إذ إن فيه تنصلًا من مجلس الأمن من دوره فى فض النزاعات الدولية ومنع نشوب الصراعات قبل حدوثها، ومنع الحرائق قبل اشتعالها، بل إن كلام الرجل يلغى وجود الأمم المتحدة ذاتها.. كما يكشف هذا الرد عن نوايا خبيثة لصاحبه؛ لأن فيه استباقًا لاجتماع للمجلس يوم 8 يوليو حول شكوى مصر من التعنت والمماطلة الإثيوبية فى قضية سد النهضة، وكأنه يتنصل مقدمًا من نتيجة الاجتماع، وفيه تخطٍّ لكل حدود الدبلوماسية ومحاولة للتأثير على مواقف الدول الأعضاء بمجلس الأمن.
وهذا يذكرنا بتعبير يتردد فى التراث المصرى والعادات والتقاليد المصرية (يا روح ما بعدك روح)، فالمسألة لا تحظى بدعم ورعاية دولية، وهناك صمت مريب ليس له تفسير من كل الجهات الدولية والمنظمات العالمية، ويبدو أن اللعب أصبح على المكشوف وأن القرار أصبح فى يد مصر والسودان بعيدًا عن أى تأثيرات خارجية أو أممية.
فالعالم لن يحنو علينا ولن يوفر لنا كوبًا من الماء ولن يحل مشكلة الفيضان أو الجفاف أو نقص الغذاء.
نحن هنا نتحدث عن محاولة إبادة للشعب المصرى بالتعطيش أو الإغراق، واستنزفنا كل خطوات التفاوض مع كل ذى شأن فى العالم من دول عربية أو إفريقية أو أوروبية أو حتى منظمات دولية، ونحن فى موقف لا نُحسد عليه أمام هذا التطرف الإثيوبى فى الوقت الذى تحدثت فيه واشنطن بوست فى افتتاحيتها السبت 3 يوليو 2021 عن أن آبى أحمد يتلاعب بالمجتمع الدولى فى قضية تيجراى ومنع المساعدات الإنسانية عن شعبه، بل وصل الأمر إلى أنه قطع الطرق والاتصالات ليلًا عن أكثر من مليون مواطن إثيوبى، فيما يمثل نوعًا من الإبادة الجماعية المنظمة فى إقليم تيجراى.. وهذا أكبر دليل على أن الرجل لا يحترم أى اتفاقيات أو مواثيق دولية.
فهل نتوقع من هذا الحاكم الفاسد الذى أباد شعبه أن يصل إلى اتفاق قانونى ملزم فى موضوع ملء سد النهضة؟!.. أعتقد لا وألف لا.
ثم إن هناك مشكلة كبرى وأكثر خطرًا، فإثيوبيا الآن تعانى من صراعات قبلية وعرقية مسلحة، تستهدف فيها الجماعات المعارضة لحكم آبى أحمد البنية التحتية والمشاريع القومية حتى التى تخدم المواطن الإثيوبى نفسه.. فما الذى يضمن لمصر عدم حدوث تخريب لسد النهضة كانتقام سياسى من آبى أحمد، يؤدى لانهيار السد ويأكل فى طريقه الأخضر واليابس فى السودان ومصر؟!
وهذا ليس افتراضًا أو تصورًا، بل حدث بالفعل فى إثيوبيا منذ أيام أن استهدفت جماعات معارضة سد تكازى ودمرته حسب إعلان الحكومة الإثيوبية نفسها؟
فهل تصمت مصر أمام خطر الإبادة؟ سواء الإبادة غرقًا أو الإبادة عطشًا؟ أعتقد لن تصمت.
لذا وجب التعامل مع موضوع السد على أنه موضوع موت أو حياة للشعبين المصرى والسودانى باتخاذ قرارات أحادية الجانب من جانب آبى أحمد وحكومته بملء السد دون الوصول لاتفاق ملزم.
لقد أصبح الحديث عن سد النهضة الشغل الشاغل لكل بيت مصرى وسودانى بلا مبالغة، فلماذا الانتظار؟
الشعب كله فى حالة ترقب وقلق، ودعم وتأييد لقرارات تشفى غليله وتعبر عن رفضه وغضبه من آبى أحمد وأى آبى أحمد آخر على مستوى العالم، فلا يفل الحديد إلا الحديد، ولا يواجه القوة إلا القوة.
وهذه أيضًا بالونة اختبار حقيقى لبعض الدول العربية، عندما تحين ساعة المواجهة، وستسقط الأقنعة وتنكشف المواقف، ويعلم الشعب المصرى من معه فى قضية وجوده وبقائه ومن ضده.
فلا صوت يعلو فوق صوت دبلوماسية القوة، لأن العالم لا يحترم ولن يحترم إلا لغة القوة والحسم والدفاع عن نيل مصر والسودان وكل شعوب حوض النيل، بعيدًا عن لغة الحوار والتفاوض مع من لا يعرف معنى الحوار ولا أصول التفاوض.
وهنا سيُهرع الكل لمحاولة اتخاذ قرارات لها قوة الواقع واسترضاء مصر والسودان صاحبتى الحق ودولتى المصب.
(وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ)
اللهم بلغت اللهم فاشهد.