أسامة شرشر يكتب: سد النهضة.. قضية شعب
الوضع فى قضية سد النهضة وصل إلى حافة الهاوية، وإثيوبيا تتلاعب بالوقت وبالألفاظ وبالتصريحات، بل تتلاعب بالاتحاد الإفريقى والمجتمع الدولى.
كل هذا يجرى والرأى العام فى مصر يتابع لحظة بلحظة ما يجرى، من تحركات مصرية سودانية فى هذا الملف الذى أصبح يهدد الأخضر واليابس فى مصر والسودان.
ونتساءل: كيف لدولة، مثل إثيوبيا، أن تعبث بقوانين الأنهار والاتفاقيات الدولية والالتزامات القانونية وترفض وقف الملء الثانى لسد النهضة لحين الوصول لاتفاق ملزم لكل الأطراف، دون رادع؟
وآخر ورقة أكدها سامح شكرى، وزير الخارجية النشط، هى لجوء مصر ومعها السودان الشقيق لمجلس الأمن.. وماذا لو لم يتخذ مجلس الأمن، المنوط به فض الاشتباكات ومنع الحروب وإلزام الدول بقراراته، القرار المناسب؟! أعتقد نحن الآن نلعب فى الوقت الضائع، وأن قرارات مجلس الأمن –لو صدرت- لن تُحترم من قبل إثيوبيا؛ لأنها تعتمد على فزاعة الاتحاد الإفريقى، وتروج أنها مشكلة داخلية، وكأن الاتحاد الإفريقى نفسه لا يتعامل مع مجلس الأمن، ونذكركم بقضية التفرقة العنصرية فى جنوب إفريقيا والسنغال وكثير من القضايا الإفريقية.
والتساؤل الذى يدور لدى الرأى العام، أمام هذا التعنت والتطرف الإثيوبى وعدم الاهتمام بالتفاوض: ما الحل فى حالة إصرار إثيوبيا على الملء الثانى وعدم الانصياع لقرارات مجلس الأمن؟
أعتقد أن الجامعة العربية يجب أن تتحرك بقوة فى مجلس الأمن من خلال أعضائه الـ15؛ حتى تضمن أن يكون هناك قرار دولى، وبعدها يكون لكل حادث حديث.
دعونا نتفق بشكل حاسم أن العالم لا يحترم إلا لغة القوة، وأن المفاوضات والحوارات تكون مرحلة تالية للحسم الذى يُبنى على احترام الأعراف وقوانين ملء السدود على مستوى العالم.. وهذه ليست بدعة مصرية ولكنها مطبقة فى كل دول العالم.
ماذا تريد إثيوبيا؟!
أن تُصاب مصر والسودان بالجفاف أو الغرق وبما يُسمى بـ«الصدمة المائية».. وأن تتحكم هى فى مياه النيل.. أم تريد أديس أبابا أن تغطى على ما يجرى من أحداث داخلية وانتهاكات إنسانية وإبادة جماعية فى ظل الصمت الدولى المخزى؟ فبدلًا من محاكمة آبى أحمد وحكومته أمام محكمة الجنايات الدولية كمجرم حرب لما فعله ويفعله حتى الآن بالإبادة الجماعية للسكان فى إقليم (تيجراى) وفى باقى الأقاليم.. والانتخابات الصورية التى مُنعت فيها أقاليم بعينها من التصويت بعد تأجيلها أكثر من مرة.. ولا أحد يتحدث.
هل يتخيل آبى أحمد أو يتوهم أن النيل، وهو هبة من الله، عز وجل، أصبح ملكية خاصة لإثيوبيا؟ أم أن الغرض هو منع مياه النيل عن مصر والسودان وبيعها لحليفه الاستراتيجى إسرائيل فى حدود 11 مليار متر مكعب، كما يتردد فى الكواليس، وذلك خصمًا من حصة مصر البالغة 55 مليار متر مكعب؟!
وما موقف الولايات المتحدة التى تصرح تصريحات وردية علنًا وفى الخفاء تصمت عن استمرار ملء السد؟
وأين موقف الإمارات والسعودية والكويت مع مصر وشعبها فى هذه القضية التى تمثل قضية وجود وبقاء للشعب المصرى؟ وهم يدركون تمامًا أن قوة مصر دعم لهم وضعفها وبال عليهم.. ونحن لا نصدق ما يثار من تسريبات فى هذا الموضوع لخصوصية (علاقة الدم) بين مصر ودول الخليج.
وما الدور الذى تم لعبه مع إريتريا فى الموافقة على المصالحة مع إثيوبيا والهجوم على إقليم تيجراى؟
المصالح تتصالح نعم.. ولكن فى هذه الحالة الأمر ليس مجرد مصالح بل ضربة فى عمق العلاقات العربية العربية إن صحت، وخاصة أن مصر تعتبر دائمًا وأبدًا أمن الخليج من مكونات الأمن القومى المصرى.
لا وألف لا لأى مؤامرت على مصر الكبيرة سواء كان عربيًّا أو إفريقيًّا أو دوليًّا.. وإذا كان التلويح بلغة العقوبات هو سلاحهم، فمصر تمتلك أيضًا ما ترد به على هذه العقوبات.
والشعب المصرى بكل مكوناته ابتداء من الفلاح والعامل وحتى كل النخب السياسية وفى كل مكان من أرض مصر، وراء الرئيس عبدالفتاح السيسى فى هذه القضية.
وإذا كان الشعب المصرى قد أعطاه تفويضًا لمواجهة الإخوان، ونجح فى حصارهم فالشعب المصرى يؤكد تفويضه فى قضية سد النهضة، التى هى قضية وجود.. والآية القرآنية تقول (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ).
فبعد الماء لا حياة ولا وجود ولا بقاء ولا دولة.
وأعتقد أن 110 ملايين مصرى الآن جميعًا فى خندق الوطن وينتظرون لحظة الإشارة أو البشارة فى قضية سد النهضة.. والشعب لن يسمح بالتلاعب الدبلوماسى بهذه الطريقة.
ويا أيها الشعب الإثيوبى، اعلموا أن الشعب المصرى يريد لكم التنمية، ولكن على أساس المنفعة المتبادلة وليس الخراب.. فالقضية ليست فى تنمية واستغلال الموارد المائية فقط، ولكن فى تنمية العقول والبشر أيضًا من خلال الحقائق وتوثيق الثوابت التاريخية.. أما محاولة استغلال القضية ونشر الأكاذيب لتجييش الشعب الإثيوبى ضد ما يسمى بالعدوان الخارجى، فستعلمون قريبًا أن هذه ليست إلا كروتًا سياسية ليبقى آبى أحمد على كرسى الحكم فى إثيوبيا؛ مستغلًا قضية سد النهضة للخلاص من معارضيه ودفن البشر فى الأقاليم الحرة التى رفضت الانصياع لهذه المؤامرة الكبرى التى تهدد الشعب الإثيوبى.
فالسطلة المطلقة مفسدة مطلقة، والشعب هو صاحب الولاية والقرار الأول والأخير.. ولكن آبى أحمد أعماه كرسى الحكم عن هذه الحقائق.
فانتبهوا؛ لأن مصر، وشعبها، لا تريد إلا دعم وتنمية الشعب الإثيوبى بما لا يضر بمصالح شعبها وعدم مخالفة القوانين والاتفاقيات الدولية.. وهذه القضية (سد النهضة) تعادل فى خطورتها وأهميتها حرب 73 التى واجهت فيها مصر الغرور الإسرائيلى مثلما يحدث من غرور إثيوبى الآن.
لقد حانت اللحظة الحاسمة ولا يجوز بعدها أى حوار أو كلام.. ووطنى لن يستباح لا بالغرق ولا بالعطش.
وأنا بكل ما أملك من قلمى وكلماتى ووجودى أكون دعمًا وفداءً للدولة المصرية وتحرير المواطن المصرى من العبث الإثيوبى.
(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).