أسامة شرشر يكتب: الصدام قادم فى سد النهضة
لا شك أن كل المفاوضات مع إثيوبيا، والمحاولات من مصر والسودان لإيجاد حل دون جدوى- تؤكد على حقيقة واحدة أن الصدام قادم فى موضوع سد النهضة، لأن الجانب الإثيوبى أصبح متطرفًا ولا يقبل أى تنازل بأى حال من الأحوال، لأن مصر تتعرض لما يسمى بالمؤامرة الكبرى، من خلال ما يُسمَّى «تحالف قوى الشر».
ومصر طوال تاريخها تعى معنى الجوار، وتتفهم الأسباب والمعطيات التى تدفع جارًا لعمل ما، ولطالما غفرت لجيرانها، فمصر لم تكن فى يوم من الأيام دولة احتلال أو عدوان أو استعراض للقوة، بل كانت علاقتها دائمًا بالقارة الإفريقية علاقة دعم ومساندة لأشقائها الأفارقة، وكانت ملجأ للقارة كلها فى دعم حركات التحرر الوطنى وبوتقة للأحرار فى كل أنحاء العالم، بل إن مصر من أكثر دول العالم التى لها علاقات دبلوماسية بدول القارة الإفريقية من خلال 54 سفارة، وكانت هى صوت إفريقيا منذ عهد عبد الناصر، حتى جاء الرئيس السيسى ليعيد لمصر بوصلتها الإفريقية ويعيد تشكيل دور مصر فى دعم تنمية دول القارة الإفريقية.
ولكن مصر بعد أن استنفدت كل الطرق لإيجاد حل نفد صبرها، وتوحد شعبها فى قضية بالنسبة له تعتبر اختيارًا بين الحياة والموت.. بين البقاء والفناء، فالنيل بالنسبة للمصريين -منذ آلاف السنين- هو قِبلة تهفو إليها أنفسهم، ومصدر حياتهم وحضارتهم، والتفريط فيه تفريط فى كل شىء، ولن تقبل مصر أبدًا بأن يُضرب العمق المائى لها سواء بإغراقها أو منع المياه عن أراضيها. وهذه هى الجريمة الكبرى التى تحاول إثيوبيا ارتكابها.
لقد وصلت مصر إلى مرحلة عالية من النضج السياسى والدبلوماسى، حتى أصبح العالم كله شاهدًا على طول صبرها، رغم الاستفزازات الإثيوبية المستمرة وتصريحات دينا مفتى، المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، العدائية، ولكنى أعتقد أن الصبر بدأ ينفد والصدام قادم لا محالة، ومصر قادرة عليه بما لها من أدوات وأوراق ضغط، خصوصًا فى وجود السفير سامح شكرى، الوزير المتميز، الذى يقود مدرسة الخارجية المصرية صاحبة التاريخ المشرف المتوارث عبر أجيال وأجيال والمشهود لها بالكفاءة والأداء المتميز، والدبلوماسية والحكمة فى علاج القضايا من خلال التفاوض والحوار.. وهذا ليس بجديد على سفراء الخارجية المصرية ذوى البصمات فى كافة المجالات.
ونحن لا ندعى أننا نعلم طريقة الصدام، لكنى على يقين بأنها ستكون مفاجأة للأصدقاء قبل الأعداء.. وأنها ستخرس دينا مفتى الذى يتوهم أن النيل ملكية خاصة خالصة لإثيوبيا، وأن الأمطار الربانية احتكار لهم، وأنهم فوق القوانين والأعراف الدولية والحقوق المائية المتعارف عليها.
لقد وصل الأمر بالبعض فى إثيوبيا ليتوهم ويصرح بأن مصر ليس لها حقوق مائية أصلًا، وأظن أن إسرائيل وراء هذا الجدل الدبلوماسى، وأنها هى اللاعب الخفى –المعلن- فى تقديم الدعم اللوجستى للحكومة الإثيوبية.
بل وصل التغييب لدى الحكومة الإثيوبية إلى أنها تروج لشعبها أن ملء سد النهضة بالطريقة التى يحاولون تنفيذها هو الطريق الوحيد للتنمية، وأنه لا بديل عن هذا الطريق لتقدم إثيوبيا، وأن مصر هى العقبة الوحيدة أمام هذه التنمية، وأن القاهرة تريد أن تستولى على حق الإثيوبيين من المياه، وهى مغالطات تم الرد عليها مرارًا وتكرارًا، ولكن الحقائق ستتكشف قريبًا أمام الشعب الإثيوبى، ليعلم أن كل ما يجرى هو سيناريوهات معد لها سلفًا وأكاذيب غير حقيقية، وأن هذا التعنت ما هو إلا وسيلة للتغطية على ما يجرى فى إقليم تيجراى من تطهير عرقى واستهداف عنصرى وانتهاك للشعب الإثيوبى من الحكومة الإثيوبية وبدعم من إريتريا، وأن موقف إثيوبيا هو موقف مستحيل فى زمن اللامستحيل واللا معقول.
ونحن نتساءل عن الموقف العربى لبعض الدول الداعمة لسد النهضة.. لماذا؟
ويزداد التساؤل عن الموقف الأوروبى الصامت أمام هذه الاختراقات لاتفاقيات الأنهار التى لم تحدث فى تاريخ الأنهار على مستوى دول العالم!
انتبهوا.. فمصر تمتلك أوراق ضغط كثيرة ومفاجئة.. وخيار الصدام إذا كان هو الوحيد الباقى للحفاظ على الحقوق المائية للشعب المصرى، فمجبر أخاك لا بطل.. ومرحلة النضج السياسى التى وصلت إليها مصر الآن كلاعب رئيسى وشريك أساسى فى القضايا الإقليمية وآخرها فلسطين وغزة تؤكد على ذلك.
ونقول لآبى أحمد الذى أباد شعبه: إن المشهد المصرى فى 2011 مختلف اختلافًا كليًّا وجزئيًّا عن المشهد فى قاهرة المعز فى 2021.
وهذه رسالة من الشعب المصرى: أفيقوا وانتبهوا.. فإن الأيام القليلة القادمة تحمل الكثير من المفاجآت، ونحن على المحك، نكون أو لا نكون.
فعودوا إلى رشدكم.. قبل فوات الأوان.