أسامة شرشر يكتب: مصر فى قلب فلسطين
لا شك أنه ليوم حافل فى سجل الدولة المصرية وجهاز المخابرات العامة المصرى العظيم، أن مصر تتحرك فى قلب فلسطين من رام الله إلى غزة، وتقوم بدعم القضية الفلسطينية، وتكون على خط المواجهة لتثبيت وقف إطلاق النار والبدء فى مفاوضات السلام مع العدو الصهيونى.
ظهرت مصر فى وضعها الطبيعى كلاعب رئيسى عربيًّا وإسلاميًّا ودوليًّا، وها هى تقود إعادة ترتيب البيت الفلسطينى وتوحيد الفصائل المختلفة، حتى لا تكون هناك ثغرة ينفذ منها الآخرون مخططاتهم فى إبقاء الوضع الفلسطينى فى حالة انقسام بين منظمة التحرير والفصائل وخصوصًا حماس، وتستغل مصر حالة الاتحاد الفريدة للشعب الفلسطينى بكل مكوناته وتناقضاته لأول مرة منذ 73 عامًا، رغم محاولات بعض الدول الإقليمية إفشال جهود القاهرة والدور المصرى الذى غير البوصلة الدولية والإقليمية، حتى إن الإدارة الأمريكية الجديدة أدركت خطأها وتواصل الرئيس الأمريكى بايدن مرتين فى أيام معدودة مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، وأشاد بايدن علنًا بالدور المحورى الذى لعبته مصر فى وقف حرب الإبادة التى شنتها إسرائيل على غزة والقدس والشيخ جراح.
لقد تفوقت مصر على نفسها وكانت العنصر الفاعل على الأرض بسرعة الاتصال وإرسال الوفود الأمنية لوقف إطلاق النار الذى تحقق بالفعل لأول مرة بدون أى شروط، ثم جاء وزير الخارجية الإسرائيلى إلى مصر فى أول زيارة رسمية لمسئول إسرائيلى منذ 13 عامًا.
وجاءت الزيارات المكوكية التى يقودها اللواء عباس كامل، مدير المخابرات المصرية، لتضع أسسًا ليس لتثبيت وقف إطلاق النار فحسب، ولكن لبدء مرحلة إعادة إعمار غزة وتوحيد الموقف الفلسطينى الداخلى، فنحن أمام فرصة تاريخية واستثنائية بعد التعاطف الذى انتشر فى كل عواصم العالم حتى داخل أمريكا نفسها مع الشعب الفلسطينى الذى يتعرض لاستهداف ممنهج سواء بقتل الأطفال والنساء والشباب والرجال، أو الاستيلاء على أراضيه، أو بناء مستوطنات مخالفة لكل القواعد والأعراف الدولية، وتوصيفها فى القوانين الدولية جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بكل صورها وأشكالها، حتى إنه لأول مرة تؤثر مثل هذه الأحداث على الحكومة الإسرائيلية نفسها وتجعلها فى حالة تبرير أمام العالم بعد أن فقدت مصداقيتها التى كانت تتبجح بها وتصور نفسها أنها فى حالة دفاع عن النفس ضد صواريخ حماس.
ولقد رأينا لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة- فى حدث نادر- تدين إسرائيل وتحركاتها العسكرية ضد الأبرياء فى ربوع فلسطين.
فالقضية الآن ليست فى إعادة إعمار غزة أو وقف الحرب ولكن أن يتم التفاوض أمام العالم من خلال قرار فلسطينى موحد، والفرصة سانحة ولن تتكرر كثيرًا، ومصر تقدمت كعادتها لتقود عملية توحيد القرار الفلسطينى وترعى المفاوضات بنفسها.
وأعتقد أن مصر وحدها هى الجديرة بدور كهذا، فلقد دفعت من دماء شهدائها الكثير فى سبيل القضية الفلسطينية منذ عام 1948 وحتى الآن، فهى وحدها التى تمثل امتدادًا حقيقيًّا للأراضى الفلسطينية وهى وحدها التى لها علاقات مع السلطة والفصائل الفلسطينية، وهى وحدها التى لديها القدرة على لم الشمل الفلسطينى وإنجاح مفاوضات الحل النهائى مع العدو الصهيونى.
لقد عادت مصر إلى قلب فلسطين، ورأينا الأعلام المصرية ترفرف الآن فى غزة ورام الله والقدس المحتلة، وأصبح الشارع الفلسطينى يعى ويعلم أن مصر موجودة لدعم الشعب الفلسطينى سياسيًّا وماديًّا والأهم إنسانيًّا.
فانتبهوا أيها الأشقاء فى فلسطين الحبيبة.. أمامكم فرصة تاريخية ليكون هناك صوت فلسطينى موحد يخاطب العالم للحصول على حقوقه ولاستعادة أراضيه، بعيدًا عن لغة التشتت والتخوين والتقسيم.
وأخيرًا فإن هذا هو قدر مصر وشعبها وجيشها الذى يسابق الزمن من أجل إنجاح (مفاوضات الفرصة الأخيرة).