النهار
الأحد 29 ديسمبر 2024 09:10 صـ 28 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: الرئيس التونسى فى قلب مصر

لا شك أن زيارة الرئيس التونسى قيس سعيد فى هذا التوقيت المهم والحساس تعطى إشارات ورسائل ذات أهمية فى كافة الاتجاهات، كان أخطرها وأهمها حالة الزلزال السياسى الذى زلزل أعمدة حزب النهضة التونسى، إحدى بقايا التنظيم الدولى للإخوان، وراشد الغنوشى إحدى بقايا أدوات الإخوان فى تونس.

الغنوشى لم يكن يتمنى على الإطلاق أن تكون هناك علاقة استراتيجية بين مصر وتونس، وأظن أنه كان يفضل أن يرى الرئيس التونسى فى إسرائيل ولا يراه فى القاهرة؛ لأن هذه الزيارة عكست رؤية الرئيس التونسى لمصر ورغبته فى تكرار التجربة المصرية فى تونس، خصوصًا فيما يتعلق بتعامل الدولة المصرية مع التنظيم الدولى للإخوان كجماعة إرهابية، بعد ما ظهر من الجماعة من استعداد للتحالف مع الشيطان لتحقيق مصالحهم والوصول للسلطة كما يفعل إخوان تونس الآن.

فجاءت هذه الزيارة لتربك حسابات حزب النهضة على كل المستويات داخل تونس أولًا، وكل أنصار التنظيم الدولى فى المنطقة ثانيًا، بعدما أصبحت تحركات راشد الغنوشى مكشوفة ومعلومة لدى الجميع، وخاصة محاولاته لمنح تركيا وقطر متنفسًا فى المنطقة من بوابة تونس، فجاءت الزيارة لتفسد كل هذه المخططات، بل إن الغنوشى سيفاجأ قريبًا بزيارة أمير قطر تميم إلى قاهرة المعز!.. وما زلت أراهن على أن الرئيس رجب طيب أردوغان قادم إلى مصر، وأن كل النوافذ التى يحاول التنظيم الدولى للإخوان التنفس من خلالها ستغلق فى وجهه، وكل الدعم الذى يحصل عليه حزب النهضة من الخارج سيصبح محاصرًا.. فهذه الزيارة وجهت ضربة قاصمة سياسيًّا إلى الغنوشى وشركائه، مما أشعل الشارع السياسى التونسى المتعطش إلى إعادة الدولة إلى أبنائها بعدما اختطفها الإخوان وحزب النهضة منذ 2010.

كما أن زيارة الرئيس التونسى مشيخة الأزهر، ولقاءه الدكتور أحمد الطيب، الإمام الأكبر، تعطى إشارة واضحة وصريحة بأن الأزهر الشريف سيظل المرجعية الشرعية للدول الإسلامية، أبى من أبى ووافق من وافق، وأن فتاوى الإخوان لا محل لها من الإعراب شرعيًّا وسياسيًّا، وأن محاولتهم تجنيد الشباب تحت مبدأ السمع والطاعة وإلغاء العقل والتفكير ستبوء بالفشل، وهى الرسالة التى جعلت الغنوشى ورجاله يفقدون صوابهم وعقولهم، خاصة من الترتيبات التى تتم من الرئيس قيس سعيد وتحالفه الكاشف مع الرئيس السيسى فى حصار الجيوب الإخوانية التى لا وطن لها.

وجاءت زيارة الرئيس التونسى للكاتدرائية لتكشف حجم الوحدة الوطنية والمحبة بين جناحى الأمة المصرية.

ولأن تونس التى أنبتت المفكرين والشعراء والمثقفين، وكانت مصر حاضنة لهم على الدوام، مثل بيرم التونسى رمز الوحدة العربية وشعر المقاومة وشاعر الشارع العربى من المحيط للخليج؛ حرص الرئيس التونسى على زيارة دار الأوبرا المصرية، والأماكن التاريخية فى قاهرة المعز، مما أعطى رسالة للجميع أن مصر ستظل هى الراعية للفنون والآداب والثقافة والمعرفة، وأن تقدير الرئيس التونسى للفن والشعر والثقافة هو ترجمة حقيقية للواقع التونسى المنفتح على نفسه وعلى الآخر، على مدار عشرات السنوات قبل ظهور الغنوشى وأى غنوشى آخر.

وأخيرًا اختتم الرئيس التونسى جدوله بمصر بزيارة ضريح الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذى يعشقه العالم العربى من المحيط للخليج، والذى سيظل أيقونة للنضال والمقاومة العربية، ورفع راية التحرر الوطنى العربى والإفريقى، وهذه الرؤية من الرئيس التونسى ظهرت جلية فى زيارته الجيش الثانى الميدانى وبقايا خط بارليف، فالأرض هى العرض الحقيقى للشعوب العربية.

وأعتقد أن ما أثار جنون الإخوان على الأخص، هو رعبهم من استلهام تجربة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى تونس، فالسيسى بدأ تجربة مبهرة للبناء وهو يواجه الإرهاب والفساد الإدارى وأزمات عالمية فى آن واحد، وزيارة الرئيس التونسى لكل هذه الأماكن والمزارات تؤكد محاولته استلهام ونقل هذه التجربة التى حيرت الأصدقاء قبل الأعداء، فكيف تبنى مصر قواعد المجد وحدها فى ظل الأزمات والنكبات المتتالية؟!.

أعتقد أن هذه الزيارة سيكون لها صدى كبير ليس فى تونس وحدها ولكن فى شمال إفريقيا كله، وخاصة أن تونس هى الجوار العربى لليبيا الحبيبة، والتنسيق المتبادل بين مصر وتونس وليبيا فى المرحلة القادمة هو عنوان إعادة التجمع العربى الذى طالما فقدناه وافتقدناه على مدار السنوات الأخيرة.

فالعالم لا يحترم إلا لغة القوة والتكتلات والاتحادات، وهو ما يجب أن تفعله الدول العربية؛ حتى تكون بمنأى عن أى خطر وشبح التفسخ وإسقاط الدول فى بئر اللاعودة.

تونس الخضراء فى قلب ووجدان الشعب المصرى، كما أن قاهرة المعز ستكون دومًا هى الحاضنة للجميع فى أوقات الشدة والأزمات..

فادخلوها بسلام آمنين، وأهلها فى رباط إلى يوم الدين.