«جدعنة الصعايدة»
غالبًا ما تتحول وقائع الحياة إلى فيلم سينمائى، لكن الأغرب أن تجسد السينما ما قد يحدث فى الواقع، وقد حدث ذلك بالفعل فى أحد مشاهد حادثة قطارى الصعيد فى سوهاج.
لقد ظهرت مقاطع فيديو وصور على مواقع التواصل الاجتماعى تؤكد على تلاحم المصريين.. نعم.. لقد كشفت كارثة القطار معانى خطيرة ودلالات مصرية وعمقًا حول الهوية والشخصية المصرية التى تجسدت وظهرت بوضوح من خلال التكافل والتلاحم لأبناء سوهاج خاصة، والصعيد بوجه عام، من الشهامة والرجولة فى التبرع بالدم من خلال سيدات وشباب ورجال الصعيد الأفاضل.
ظهر أبناء مصر المخلصون- رغم بشاعة الكارثة وسقوط قتلى وجرحى فى مشهد كارثى بكل ما تحمله الكلمة من معنى- أقوياء صامدين يقدمون الغالى والنفيس بدمائهم فى إنسانية تُدرَّس وإشارة إلى أسمى معانى حقوق الإنسان فى التكافل الشعبى والعطاء بلا حدود.
وأتحدى أن أرى هذا المشهد الراقى فى أى دولة من دول العالم التى تتشدق بحقوق الإنسان والحيوان، وهى أبعد ما تكون عن ذلك، وكانت الرسالة واضحة من صعيد مصر وأبناء سوهاج الكرام بعيدًا عن الشعارات والمنظمات المشبوهة ودكاكين حقوق الإنسان.. هذا هو شعب مصر الذى يتوحد عند الخطر وفى الأزمات والمواقف الإنسانية.. تحية إجلال وتقدير لأبناء الصعيد الذين يؤكدون دومًا على الثوابت الوطنية فى أوقات المحن.
حادثة قطارى الصعيد كشفت معدن هذا الشعب، رغم المحاولات من أعداء الوطن وإعلام الخارج فى نشر الأكاذيب المضللة والمعلومات المغلوطة، وكأن مصر مستهدفة بفعل فاعل، وكأنهم يريدون أن يروها وهى تسقط، فلذلك لا بد من أن نخرج بنقاط وأهداف من خلال أرض الواقع والاعتراف بأن كوارث السكك الحديدية ما زالت خارج السيطرة، وأن هذا المشهد، مع الأسف الشديد، يمكن أن يتكرر ويدفع ثمنه وزراء وطنيون مثلما حدث مع إبراهيم الدميرى وهشام عرفات.. ولهذا أقترح أن تتم الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة واستخدام كاميرات المراقبة داخل القطارات، وأن يكون هناك «صندوق أسود» لتسجيل الأحداث بدقة، حتى يتسنى للأجهزة المعنية تفريغها ومعرفة الحقائق كاملة دون تغيير أو تضليل، حيث إن حياة المواطن متوقفة على السائق أو العامل فى محطات السكك الحديدية فى هذه الجريمة الكبرى التى دفع ثمنها الأبرياء من المواطنين الذين لا ذنب لهم.
من واجبى أن أقول: يجب أن نعمل على تفادى وعدم تكرار مثل تلك الفاجعة فى المستقبل سواء القريب أو البعيد.
وفى وسط هذا الظلام الدامس نجد ومضة لا بد أن نشير إليها وهى تعليمات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى وتكليفاته السريعة بانتقال الحكومة إلى موقع الحادث.
ودعنى أشيد بما قالته الدكتورة نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعى، وهو صرف معاش شهرى مدى الحياة، وهذا يحدث لأول مرة، لكل من تعرض للعجز الكلى، بالإضافة إلى ما قامت به الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة، بمتابعة الحالات ونقل الحرجة منها على الفور إلى مستشفيات القاهرة لتلقى العلاج اللازم والمتابعة الدورية، إضافة إلى الفرق الطبية وسيارات الإسعاف المجهزة التى تحركت بسرعة مذهلة والتنسيق الكامل مع كافة المستشفيات لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.. لذلك هذا الحدث قد فجَّر أشياء كثيرة، وهى أن التطوير فى الجانب البشرى هو أساس نجاح أى منظومة كانت، وحتى يتم التخلص من هذه الكوارث التى يمكن أن يفقد فيها الإنسان حياته فى لحظة بسبب التقصير، وهو ما يكشف عنه النائب العام وتحقيقات النيابة العامة، وتوضيح ما إذا كانت هناك أيادٍ خفية تعبث بأمن الوطن والمواطنين.
وأخيرًا أقولها بكل صراحة.. شكرًا سيادة الرئيس، بعد ما قام بتأجيل السفر إلى قمة بغداد؛ فكانت الرسالة قوية وواضحة إلى الجميع أن حياة المصريين هى أغلى شىء لدى القيادة المصرية وهذه أفعال وليست أقوالًا.. ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء.