أسامة شرشر يكتب: أردوغان فى القاهرة
أتوقع أن يقوم الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بزيارة غير متوقعة إلى القاهرة لسبب بسيط هو أن المصالح تتصالح، فرغم إشارات رابعة وخامسة التى كان يرفعها فى كل المحافل الدولية وأمام المنصات الإعلامية على روح الجماعة الإخوانية ورئيسها الراحل مرسى، إلا أن مصالح تركيا لم تجد لنفسها بديلًا عن القاهرة.
إن الرسائل التى أطلقها ياسين أقطاى، أخطر شخص فى حزب العدالة والتنمية ومستشار أردوغان، لها مدلول خطير بأن الحزب وصل إلى قناعة بأنه لا يمكن الاستغناء عن مصر كبلد محورى وكبير فى الشرق الأوسط، وهى نفس القناعة التى عكستها رسائل وزيرى الدفاع والخارجية التركيين، لتأتى أخيرًا تصريحات أردوغان المفاجئة يوم الجمعة الماضى لتؤكد هذه الرسائل بعدما أعلن أن هناك اتصالات مع مصر على المستوى الاستخباراتى والدبلوماسى والتجارى.
ولكن أخطر ما فى هذا الموضوع أن الإدارة المصرية والرئيس السيسى تعاملا مع كل تصريحات أردوغان خلال الفترة الماضية وكأنها لم تكن، ولم تخرج الدولة المصرية على مدار سبع سنوات بتصريح ضد أردوغان أو تركيا، وهو ما يعطى دلالة سياسية أن احترام النفس يبدأ من احترام الآخر، فجاء التعامل على المستوى الرسمى والبروتوكولى وعدم الرد ليكون أكبر رد على أردوغان.
فلذلك عندما نقول إن المصالح تتصالح، فإننا نعنى أن هذه التصريحات ليست بالونات اختبار من الجانب التركى وليست نوعًا من التكتيك المؤقت ولكنها رؤية استراتيجية للدولة التركية التى أيقنت أنه بكل الحسابات والمصالح لا بديل عن مصر كدولة ذات حجم مهم فى الشرق الأوسط.
ودعونا نحلل لماذا اتخذ أردوغان هذا الموقف من الرئيس السيسى على المستوى الشخصى؟.. أعتقد لأن العقدة النفسية والسيكولوجية لأردوغان من الجيش التركى وتحسسه من الخلفية العسكرية للرئيس السيسى جعلته يظن أن كل الجيوش سواء، وعقدته من الجيش التركى لا تخفى على أحد، فقد قام بتفكيك المؤسسة العسكرية وتفريغها بل وصل الأمر إلى حبس بعض الجنرالات الأتراك.. فكان يخشى أن يتكرر سيناريو مصر فى تركيا وينحاز الجيش التركى لأى احتجاجات شعبية ويطيح به من السلطة مثلما حدث فى مصر، خصوصًا مع الأزمات الاقتصادية المتعاقبة التى يعانى منها الأتراك فى العقد الأخير.
فلذلك عندما أيقن أردوغان أن نجاحه الشخصى على كافة المستويات الحزبى والسياسى والاقتصادى والداخلى، لن يتم إلا باستعادة العلاقات مع مصر بدأ يتحرك فى هذا الاتجاه، وأعتقد أن رسالة الإدارة المصرية بأن تقسيم الحدود البحرية هدفه تحقيق المصلحة الاقتصادية والسياسية لكل الأطراف بما فيها تركيا- جعلت نواب المعارضة التركية يشيدون بالموقف الرسمى المصرى ويفضحون ألاعيب الرئيس التركى وحزب العدالة والتنمية الذى أضاع على الشعب التركى مليارات الدولارات بعدم التعاون مع الجانب المصرى.
كما أن متابعة تركيا اتفاقيات مصر لترسيم الحدود مع اليونان وقبرص والتعاون الاقتصادى بين البلدان الثلاثة جعلتها تدرك أن مصر تتحرك من خلال استراتيجية واضحة وليس بخطوات ومواقف مفاجئة كما يفعل أردوغان، وهو ما زاد الضغوط الداخلية عليه، خصوصًا أن هذه الاتفاقيات تحرم تركيا من الاشتراك مع دول شرق المتوسط فى مشروعات توصيل الغاز والنفط إلى أوروبا.
ناهيك عن الدعاية السلبية على الساحة العالمية التى طالت أنقرة فى الملف الليبى، خصوصًا فيما يتعلق بتصدير المرتزقة والميليشيات والعبث فى الأراضى الليبية؛ حتى جاء الرد المصرى بأن سرت والجفرة خط أحمر– دون أن يتم الإساءة من قريب أو بعيد للدولة التركية- ثم جاء الرد العملى بإنشاء قاعدة عسكرية فى سيدى برانى لتكون خط الدفاع الأول عن الحدود الغربية المصرية؛ فأيقنت وزارة الدفاع التركية أن مواجهة مع مصر فى ليبيا لن تكون فى صالح أنقرة، ومع هذا الإدراك بدأ التراجع، خصوصًا مع الاهتمام المصرى بالبعد العربى من خلال مفهوم الأمن القومى العربى الشامل الذى تعتبره مصر جزءًا من أمنها القومى، خصوصًا فى دول الخليج (السعودية والإمارات على سبيل المثال).
كل هذه المواقف التى اتخذتها مصر جعلت الجانب التركى يفكر كثيرًا فى أنه لا جدوى من تصدير الأزمات والمشاكل وبث القنوات الإعلامية من تركيا للإساءة إلى مصر ليل نهار، وأنه لا جدوى من الموقف غير المبرر سياسيًّا بالنسبة لتركيا كدولة علمانية، حسب دستور مؤسسها كمال أتاتورك، لاحتضان قيادات جماعة الإخوان الهاربين وتبنى شخصيات لعبت على كل الموائد السياسية والإعلامية، لأن وجودهم أصبح عبئًا على الحكومة التركية نفسها وليس مؤثرًا فى الشعب المصرى.
فلذلك نقول إن حل هذه المشاكل العالقة من الجانب التركى بالأفعال وليس بالأقوال يجعل نقاط الاتفاق بين القاهرة وأنقرة أكثر من نقاط الاختلاف فى كثير من الملفات، خصوصًا بعد أن أصبحت أوراق وأدوات الضغط التركية للانضمام للاتحاد الأوروبى محروقة، بل إن توقيع العقوبات على تركيا أصبح أمرًا أوروبيًّا معتادًا.
فلذلك أتوقع أن يقوم الرئيس أردوغان بزيارة إلى القاهرة ويعلن اعتذارًا للشعب المصرى والرئيس عبد الفتاح السيسى عما بدر من أزمات ومشاكل انعكست بشكل مباشر على الشعب التركى نفسه وعلى اقتصاد الدولة التركية، خاصة أن مصر والسعودية، بصفة خاصة، كانتا شريكين تجاريين مهمين وسوقين للمنتجات التركية.
نحن متفائلون بأن تكون هذه بداية لعودة تركيا إلى الحضن المصرى، وتأكيدًا على دور مصر الإقليمى والإسلامى، وأنها ستكون رسالة مهمة للجميع أن مصر تسير فى الاتجاه الصحيح.