قنبلة حكومية جديدة.. قانون الأحوال الشخصية
لا شك أن مشروع قانون الأحوال الشخصية سيفجر أزمة جديدة داخل المجتمع المصرى؛ لأنه قنبلة متعددة الانفجارات فى كل الاتجاهات، وخاصة للمرأة المصرية التى تُحَارَب منذ زمن طويل وعلى مر الأجيال والعصور، بالرغم من أننا كنا نحتفل بالأمس باليوم العالمى للمرأة الذى يوافق 8 مارس.
هذا القانون جاء ليصنع خلافات واختلافات فقهية وشرعية واجتماعية ستتسبب فى انقسام حاد فى المجتمع وخلق فجوة جدلية بين كل الأطراف فى المجتمع، وهو ما يطرح السؤال المهم: أين الحوار المجتمعى فى كل تشريعاتنا وقوانيننا وقضايانا؟ ولماذا نتجاهل الحوار المجتمعى؛ وهو يمثل قوة ناعمة وضاغطة للمجتمع بكل أطيافه ولا نلجأ إليه إلا بعد فوات الأوان؟
أعتقد أن الحل هو فى الحوار المجتمعى مع لجان الاختصاص بعد مراجعة القانون من الأزهر الشريف.وأن تقوم «حكومة الشهر العقارى» بالاستجابة للاعتراضات، وإرسال هذا التشريع للأزهر الشريف المختص دون غيره؛ طبقًا للدستور فى المادة 7 فيما يتعلق بالعلوم الدينية والشئون الشرعية.
وأرى بعد الاستماع إلى هيئة علمية مستقلة بالأزهر الشريف أن يتم إرسال هذا المشروع بقانون إلى البرلمان، لأن بعض مواده الـ194 بها ألغام وأكمنة شرعية ودينية وستخلق حالة من الجدل غير المنتهى، وخاصة المادة 58 والمادة 191 التى تقضى بـ(حبس الزوج) حال زواجه بأخرى دون علم الزوجة الأولى، وهذا مربط الفرس فى اعتراض البعض على فرض عقوبة سالبة للحرية على أمر مشروع، فالشرع لا يشترط إبلاغ الزوجة عند الزواج بأخرى.. إذًا فالمادة فى مجملها معيبة من حيث الشرع والقانون من ناحية، وبالتالى من الناحية الدستورية التى جعلت الشريعة مصدر التشريع فى مثل هذه الحالات الاجتماعية.
ونحن هنا لا نعادى المرأة، بل إننا نحلل ونكشف ألغام بعض المواد فى القانون، فالمرأة أكبر بكثير من قانون معيب، فهى الأم والزوجة والابنة والأخت، بل هى المجتمع.. إلا أنه يجب ألا يفتى أحد فى وجود الأزهر الشريف، الجهة الوحيدة التى لديها من العلم ما تحدد به ما هو شرعى وما هو مخالف للشرع.
والمادة التى استفزتنى على المستوى المهنى والبرلمانى فى القانون هى المادة 6 التى تطرقت لموضوع ولاية المرأة، وعجبًا وتعجبًّا أن المشرِّع عندما وضع هذا القانون للأحوال الشخصية عام 1925م، لم يتطرق لمسألة الولاية أصلًا وترك تنظيمها للقانون المدنى حفاظًا على حق المرأة فى الاختيار.
ولكن الحكومة تركت كل هذه النوافذ المفتوحة لاستقلالية المرأة واعتمدت، للأسف الشديد، على مذهب واحد، وكأنه مذهب الحكومة، فألغت الشخصية القانونية للمرأة، وهذا عارٌ وجريمة ضد المرأة المصرية التى شهدت ميادين التحرير فى كل محافظات مصر صرختها عندما قالت (يسقط يسقط حكم المرشد).
والكارثة فى قنبلة مشروع الحكومة أنها أباحت لأى ذكر فى عائلة المرأة عقد زواجها مهما كانت سنها ونضجها ومكانتها العلمية وأرى أن ذلك إهانة للمرأة ونوع من التطرف الذكورى ضدها.. (فاقد الشىء لا يعطيه).
أما المادة 55 فتعطى مؤشرًا خطيرًا لتعمد الحكومة هدم القيم والأخلاقيات والثوابت الأسرية فى المجتمع المصرى، وتعطى حقًّا للزوجة فى تطليق زوجها بسبب فقره؛ وهذه كارثة اجتماعية وتشرنوبل حكومى يعطى البدء فى تفكيك وانقسام الأسرة المصرية.
والمادة السادسة فيها تناقض غريب؛ حيث إنها تعطى للولى الحق فى المطالبة بفسخ عقد الزواج دون أن يكون له مسئولية على المرأة، فهذا التعارض يخلق مشاكل بلا حدود.
وفى المادة 89 المتعلقة بالحضانة أرى أنه من الأفضل أن تكون الحضانة ابتداءً بين الأم والأب، وبعد ذلك تنتقل الحضانة بين أم هذا وأم تلك، حتى لا يُعذب الأطفال بسبب التشتت النفسى.
ولذلك أطالب بسحب مشروع قانون الأحوال الشخصية من البرلمان وأن تقوم الحكومة بإرساله إلى الأزهر الشريف لبيان وتبيان المشاكل الخلافية الشرعية؛ ليعيد الأزهر بعدها إرسال القانون للبرلمان، ويخرج قانون يؤكد على الترابط والتراحم الأسرى، ويراعى مصلحة الأطفال الذين يدفعون فاتورة الخلافات الأسرية.
يجب أن تراعى الحكومة أن المواطن ما زال يعانى من آثار الانحراف التشريعى فى قوانين صدرت من المجلس التشريعى السابق وأحدثت هزة وزلزالًا فى المجتمع وآخرها الشهر العقارى.. فالمشرِّع يجب أن ينحاز للمصلحة العامة ويحمى روابط المجتمع حتى لا تصدر تشريعات غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع أو تحدث فتنة فى وقت أصبح المواطن المصرى مستهلكًا ماديًّا وتشريعيًّا واجتماعيًّا.
ارحموا شعب مصر.. ونساء مصر .. ورجال مصر
يرحمكم الله.