النهار
الأحد 29 ديسمبر 2024 08:45 صـ 28 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: حكايتى مع البدرى فرغلى

الكاتب الصحفي أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
الكاتب الصحفي أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار

سيظل البدرى فرغلى أيقونة للمعارضة المصرية لسبب بسيط جدًّا وهو أن الشعب المصرى عشق هذا الرجل الذى كان صوتًا صادقًا للغلابة والفقراء والمظلومين تحت قبة البرلمان من خلال انحيازه المطلق كنائب، للأمة وليس بورسعيد وحدها، فى قضايا وهموم الوطن والمواطن، ودفاعه الشرس عن الوطن ضد التنظيم الدولى للإخوان.

فى لحظات الأزمات كان البدرى فرغلى ضوءًا فى النفق المظلم؛ فلم يهادن ولم يناور ولم يتربح رغم الإغراءات الشديدة فى زمن الفساد والفاسدين.

ولا أنسى التحقيق الصحفى الذى نشره زميلنا محمود معوض، رئيس القسم البرلمانى فى الأهرام، رحمة الله عليه، والذى كشف فيه المفارقة بين أفقر نائب فى البرلمان وهو البدرى فرغلى الذى كان يتحرك فى شوارع بورسعيد بـ(العجلة)، وأغنى نائب فى البرلمان وقتها وكان رجل أعمال يتحرك بالطائرة، فبقى البدرى فرغلى وزال النائب بطائرته وأمواله.

حكايتى مع البدرى فرغلى بدأت فى مجلس النواب منذ 25 عامًا، عندما كنت صحفيًّا برلمانيًّا، وكان هو إمامًا من أئمة الحق وباحثًا عن الحقيقة وصوتًا مدويًّا أمام خصخصة الشركات، ومدافعًا شرسًا عن حق العمال، والحقيقة رغم أنه كان عاملًا فى إحدى شركات الشحن ببورسعيد، إلا أن ثقافته وإحساسه بالناس وضميره الوطنى وشغفه بهموم بنى وطنه جعلته يتفوق نظريًّا وعمليًّا على بعض الحاصلين على رسائل الدكتوراه.

وأخطر ما كان يميز البدرى فرغلى أنه كان محبًّا للقراءة والمعرفة، ومنخرطًا فى السياسة من خلال حزب التجمع، وهى الخلطة التى مكنته من أن يزلزل أركان الحكومة وبعض وزرائها الفاسدين فى ذلك الوقت.

ولا أنسى أيضًا أن الدكتور أحمد فتحى سرور فى كثير من الجلسات كان يرسل ورقة للبدرى فرغلى كى يتحدث ويطرح رأيه، وهكذا تكون المعارضة الوطنية والموضوعية والصوت الآخر تحت قبة البرلمان رغم أن الأقلية الوطنية فى ذلك الوقت كانت تقف أمام غول الأغلبية، ولكننا كنا فى زمن المحترفين، إلا أننا فى البرلمان السابق كنا فى زمن الهواة.

والتساؤل: لماذا حضر الآلاف من أبناء الشعب المصرى من كل المحافظات جنازة البدرى فرغلى رغم جائحة كورونا والإجراءات الاحترازية؟ الإجابة ببساطة: لأنه كان منحازًا للفقراء والمظلومين وسيفًا على رقبة الفاسدين والمفسدين، وأول من أعلن رفض موجة الخصخصة وبيع الشركات والمصانع؛ حتى إننى قلت له فى ذلك الوقت بقى أن يتم خصخصة العامل المصرى!

وكان رحمة الله عليه يستشعر بحاسة سياسية وإنسانية مرهفة النواب الحقيقيين والنواب المزيفين الذين جاءوا من المجهول السياسى بأموالهم، فعندما هنأنى بعضوية مجلس النواب قال لى تعبيرًا لن أنساه: «لقد بدأت ساعة العمل، وحان الوقت لتنضم معنا فى خندق الوطن والمواطن»، وكنا معه كنواب مستقلين فى مؤتمراته ولقاءاته بحزب التجمع وسط آلاف من أصحاب المعاشات داعمين لصوت هذا النائب الاستثنائى فى زمن استثنائى.

وكان البدرى فرغلى من المفجرين الحقيقيين لثورة 30 يونيو، بوقوفه بالمرصاد وكشفه بالوقائع والمستندات التنظيم الدولى للإخوان فى ذلك الوقت؛ فهو يعرفهم جيدًا منذ كانت مجموعة الـ88 نائبًا إخوانيًّا معه تحت القبة، وبعد يناير كان أصحاب المعاشات، وهم العمود الفقرى لهذا الوطن من الطبقة الوسطى التى حاولوا إضعافها وإذلالها وحصارها، شغله الشاغل، رغم أنهم لم يكن لهم مطالب فئوية، بل إن كل ما طالبوا به هو تطبيق الدستور الذى نص فى المادة 17 على أن (أموال التأمينات والمعاشات أموال خاصة، تتمتع بجميع أوجه وأشكال الحماية المقررة للأموال العامة، وهى وعوائدها حق للمستفيدين منها، وتستثمر استثمارًا آمنًا، وتديرها هيئة مستقلة، وفقًا للقانون)، وكانت معنا السفيرة الرائعة ميرفت التلاوى التى انحازت لأصحاب المعاشات للحصول على حقوقهم.

ولا أنسى عندما جاء البدرى فرغلى إلى البرلمان السابق ولم يحظ بأى اهتمام واجب له كرائد للحركة النضالية لأصحاب المعاشات الذين يبحثون عن حقوقهم الضائعة، حتى إننى قلت لوزيرة التضامن تحت قبة البرلمان: أنتِ يجب محاكمتك محاكمة شعبية لما ارتكبتِه فى حق 10 ملايين مواطن من أصحاب المعاشات بخلاف أسرهم، حتى وصلت مستحقاتهم المهدرة لأكثر من 950 مليار جنيه بخلاف الفوائد، وحاولتم وتلاعبتم بعدم تنفيذ الأحكام وإرسالها لمحكمة غير مختصة لمزيد من التعذيب لأصحاب المعاشات.

إلا أن البدرى فرغلى وكتيبته من أصحاب المعاشات كانوا لهم بالمرصاد؛ حتى فقد هذا الرجل العظيم نور عينيه وأصبح كريم النظر، ولكنه لم يبال لأنه كان يرى بنور الشعب المصرى وأصحاب المعاشات؛ وهو ما أضاء له الطريق إلى الحق الذى لن يضيع أبدًا طالما وراءه البدرى وكتيبته، فكانت لحظات تاريخية تُكتب بماء الذهب.

إن التاريخ سيسجل بأحرف من نور دور البدرى فرغلى، والأجيال القادمة ستعرف حقيقة هذا المناضل الحقيقى الذى يُعتبر بصمة من بصمات البرلمان وصوتًا من الأصوات الاستثنائية المدافعة عن حقوق أصحاب المعاشات، ومضابط مجلس النواب تحكى عن هذا الرمز والقيمة، هذا الإنسان الذى خرج وهو على فراش المرض ليذهب إلى المحكمة مدافعًا عن قضيته، حتى تعجب القاضى واندهش من هذا الرجل العنيد فى الحق والذى لم يبال بمرضه وأصر على السفر من بورسعيد إلى القاهرة، وكانت أمنية حياته أن يتم استعادة حقوق أصحاب المعاشات، وأن يحيوا حياة كريمة بأموالهم التى دفعوها خلال سنوات عملهم.

وأنا أطالب حزب التجمع التقدمى الوحدوى وأعضاءه المحترمين بأن يتم إقامة حفل تأبين يليق بهذا الرجل العظيم وإطلاق اسم البدرى فرغلى على إحدى قاعات الحزب العريق، كما أدعو لإطلاق اسمه على أحد ميادين مدينة بورسعيد الباسلة بشعبها وأهلها.

رحم الله البدرى فرغلى وكل المناضلين الذين وقفوا مع المواطن ودافعوا عن الوطن، فهم الباقون أحياءً بأعمالهم ومواقفهم ونضالهم كصوت للحقيقة.
ونسألكم الفاتحة.