أسامة شرشر يكتب: معركة البرلمان الأوروبى.. بين الداخل والخارج
إن قرار البرلمان الأوروبى- وهو هيئة شعبية منتخبة من الدول الأوروبية ترفع توصياتها للحكومات الأوروبية- باتخاذ موقف ضد مصر، بخصوص ادعاءات حول ملف حقوق الإنسان وحرية التعبير والحركات- يؤكد أن هذا الملف ما هو إلا ورقة ضغط يستخدمونها عند الحاجة وهو نهج مشبوه ومشين تكرر مرات عديدة من البرلمان الأوروبى لأغراض خبيثة.
ولأن ذاكرة البرلمان الأوروبى مغيبة، فهم ينسون أو يتناسون ما فعله الأمريكان فى العراق بسجن أبوغريب، ولا يجدون إلا مصر ومحاولات تشويه الدولة المصرية بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة.
ولكن قبل أن نسترسل فى هذا الملف الحساس والشائك، لا بد أن نعترف بأننا أخطأنا فى ترك المنظمات الحقوقية والمواقع الإلكترونية الإخوانية والتمويلات لها بلا حدود؛ حتى نجحت للأسف الشديد فى بعض محاولاتها لتشويه صورة مصر أمام الرأى العام الأوروبى والأمريكى والعالمى.
وسؤالى بطريقة تفكيرهم: لماذا لم ينتفض البرلمان الأوروبى عندما تم قتل جورج فلويد بدم بارد بحذاء أحد أعضاء الشرطة الأمريكية؟!.
ولماذا لم يتحرك أحد من البرلمان الأوروبى عندما قام آبى أحمد بإبادة البشر وتشريدهم فى إقليم تيجراى بإثيوبيا؟!.
ولماذا لم يتحرك أحد عندما قام الأمن البريطانى فى عهد ديفيد كاميرون بإطلاق النار على المتظاهرين، وانتشرت عبارة منسوبة إليه أنه قال (عندما يتعلق الأمر بالأمن القومى لا تحدثنى عن حقوق الإنسان)؟!.
كل هذه التساؤلات وعلامات الاستفهام لا تعفينا من رد غير تقليدى وموضوعى وعملى يتمثل فى أن هناك بعض الأخطاء فى قضية ريجينى، أهمها أنه لم تكن هناك آلية حقيقية لنشر الحقائق من خلال إنشاء هيئة دائمة تتابع هذا الملف ولا تكون رد فعل لما ينشر، بل تكون فعلًا استباقيًّا ينشر الحقائق بالأدلة والمستندات، ومن خلال مؤتمرات صحفية عالمية فى هيئة الاستعلامات، ويتم دعوة كل المراسلين وقنوات الأخبار للاطلاع على كل الحقائق على أرض الواقع.
ونتساءل: لماذا لا تقوم السفارات والملحقون الإعلاميون بمتابعة ما يتم نشره على السوشيال، جنبًا إلى جنب مع ما يتم نشره من الكتائب الإلكترونية المأجورة، أو من خلال كبرى الصحف، للرد وإيصال الحقيقة إلى الشعب الأوروبى والأمريكى؟!.
ونتساءل: لماذا لا يتم الاستعانة بشركات علاقات عامة فى أوروبا لتوصيل صوت مصر بالأدلة والمستندات مثلما تفعل الدول الأخرى التى تستغل كل أوجه القصور المعلوماتى والإعلامى فى بث الشائعات والأكاذيب وضخها فى المواقع والصحف التى تتصيد الأخطاء وتشوه الدولة المصرية وتستخدم لغة الثأر الشخصى ضد الرئيس عبدالفتاح السيسى؟!.
وإذا كانت العلاقات بين الدول تبنى على المصالح التى تتصالح وتتجاوز الأخطاء والخطايا التى تتم فى هذه الدول، فإن الأمر عندما يتعلق بمصر يختلف، بل توجد حالة من التصيد والتضخيم والتهويل لكل ما يحدث فى مصر.
وأتحدى بلغة الواقع أن تكون هناك قناة مثل الجزيرة مباشر الموجهة ضد الشعب المصرى لتشويه الدولة المصرية والنظام، فى أى دولة أخرى من دول العالم.
والنقطة المهمة هنا: لماذا لا تكون هناك لقاءات مستمرة بين أعضاء البرلمان المصرى المتخصصين، ونظرائهم الأوروبيين أو من أى مكان فى العالم، لإيضاح الحقائق بالصوت والصورة وبالأرقام، فالعالم لا يحترم إلا لغة الأرقام والحقائق؟!.
ونتساءل: أين لجنة حقوق الإنسان البرلمانية فى مصر؟ وأين المنظمات الحقوقية؟ وأين المجلس القومى لحقوق الإنسان؟ ولماذا لا تتصدر هذه الجهات فى الرد والدفاع عن الدولة المصرية؟!.
للأسف الشديد لا بد أن نعترف بأن لدينا مسميات وكيانات ليس لها علاقة بالخارج أو بالداخل، وهى عبء على مفهوم حقوق الإنسان الشامل، بالرغم مما يجرى فى العالم وفى بعض هذه الدول حتى من بشاعة وانحطاط فى التعامل مع البشر، ولكن لا بد أن نعالج هذه الأخطاء بالاعتراف أولًا بقصورنا فى هذا الاتجاه.
وبعيدًا عن الشعارات والتدخل فى الشأن الداخلى والكيل بمكيالين وازدواجية القرار من الغرب، فإذا راجعنا ردود الأفعال لدينا فى السنوات العشر الأخيرة سنجد أن الردود لم تتغير منذ 2010، بل تسير على وتيرة واحدة، وهو ما يجعلها غير ذات جدوى، ويشجع البرلمان الأوروبى أو الكونجرس الأمريكى فى التمادى فى مواقفهم، بل ستكون هناك كيانات أخرى تستغل أى حدث أو حادث أسوأ استغلال ضد مصر وشعبها وقيادتها.
نحن لسنا فى زمن الأنبياء والرسل ولا المثالية البعيدة عن واقع العالم المعاصر، لأن القاعدة السارية فى عالمنا المتغير بسرعة الرياح، هى استخدام هذه الدول كل الأوراق المشروعة وغير المشروعة للحصول على أكبر استفادة ممكنة، حتى ولو بادعاء رعاية حقوق الإنسان والحيوان.
فيجب علينا أن نعتمد لغة التسويق الإعلامى أو المعلوماتى خارجيًّا من خلال عناصر مصرية فى الداخل أو فى الخارج تستطيع أن تقدم رؤية ونموذجًا واقعيًّا لما يجرى فى مصر من خلال تسويق المعلومات والحقائق بالأدلة والأرقام والصوت والصورة، أمام طوفان الشائعات القادم من كل البؤر المدعية لرعاية حقوق الإنسان.
ومن عجب أن فاقد الشىء لا يعطيه، ورغم ذلك تجدهم يستغلون أدواتهم الإعلامية وبعض أخطائنا لتشويه صورتنا بين الدول.
والتساؤل الذى ليس له إجابة عندهم حتى الآن هو: لماذا مصر بالذات؟!
ببساطة لأنها رأس الحربة عربيًّا وإقليميًّا، وهى مركز الحضارات، وبها الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية وموقعها الربانى الذى يجعلها محط أطماع من هؤلاء المتشدقين بحقوق الإنسان والحيوان.
فورقة الفتنة الطائفية التى لعبوا بها قديمًا لم تجد لها صدى ولا موقعًا لدى الشعب المصرى؛ فبدأوا من خلال مراكزهم البحثية والإعلامية والصحفية والإلكترونية بالبحث عن مداخل أخرى للترويج أن مصر تغرد خارج السرب فى ملف حقوق الإنسان. إن بداية مواجهة هذه الظاهرة الحقوقية هى الكشف عن كل المعلومات والأسماء والقضايا، حتى لو تطلب الأمر تعديل التشريعات والقوانين لسد الثغرات.. فيكفينا أن مصر تواجه كل أنواع الإرهاب وحدها، سواء إرهابًا بالسلاح أو إرهابًا إعلاميًّا أو ثقافيًّا أو معلوماتيًّا، ورغم كل ذلك لم تستدع أحدًا للمساعدة لأن بها خير أجناد الأرض من رجال الجيش المصرى العظيم والشرطة الوطنية، الذين يقدمون أرواحهم فداءً لوحدة واستقرار الدولة المصرية، وهذا هو مبعث جنونهم لشيطنة الدولة والقيادة المصرية.
فالعلاج يبدأ بضرورة الاعتراف بالإهمال والتقصير فى بعض القضايا، ثم المعاملة بالمثل، خاصة أن لدينا أيضًا مصريين قتلوا فى إيطاليا وبعض دول العالم، ولكن الكارثة الكبرى أننا نتعامل مع الخارج بلغة الداخل، وهذه هى المصيبة.
فيجب فى الفترة القادمة فتح الأبواب أمام إغلاق شبابيك ودكاكين المنظمات الحقوقية والإعلامية والإلكترونية التى تدعى رعاية حقوق الإنسان والحيوان، وهم فاقدون أبسط معانى الإنسانية.
وقبل أن أختتم مقالتى يجب أن أشيد بفتوى الأزهر الشريف بقيادة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب بحرمة الانضمام لجماعة الإخوان الإرهابية واعتبارها جماعة مفسدة فى الأرض، فهذه الفتوى كاشفة فى توقيتها ومضمونها، وتستكمل منظومة كشف الحقائق بانضمام أكبر مؤسسة دينية فى العالم الإسلامى، للرد وكشف الحقائق أمام العالم، لأن مصر ستظل مستهدفة إلى يوم الدين، وهذا هو قدرها.