النهار
الأحد 29 ديسمبر 2024 08:52 صـ 28 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: القرصنة الإلكترونية والانتخابات الأمريكية

الكاتب الصحفي أسامة شرشر رئيس تحرير جريدة النهار
الكاتب الصحفي أسامة شرشر رئيس تحرير جريدة النهار

أخطر ما فى الانتخابات الأمريكية أنه تم ضرب ثوابت الآباء والأجداد فى الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصًا بعد الهزة التى أحدثها ترامب بعدم اعترافه حتى الآن بالهزيمة، رغم أن ممثلى الولايات الخمسين فى المجمع الانتخابى أكدوا فوز منافسه جو بايدن بـ306 أصوات.

ولكن ما زال ترامب وأنصاره يؤكدون أن هناك تزويرًا فى الانتخابات الرئاسية فى أمريكا أم الديمقراطية والحريات، بل وصل الأمر بترامب إلى اتهام وزير العدل بالتواطؤ والتزوير.

إن أخطر ما فعله ترامب من خلال حملته الانتخابية أنه أحدث فتنة فى المجتمع الأمريكى، وأخشى أن تؤدى هذه الفتنة إلى حرب أهلية محتملة؛ لأن كل المؤشرات تؤكد أنهم يسيرون فى هذا الاتجاه من خلال التظاهرات والاعتصامات فى الشوارع والاحتجاجات التى قد تتحول فى لحظة ما إلى فوضى وعنف.

وهذه هى الخطورة التى ستهدد العالم كله بشلل ديمقراطى وانتخابى نتيجة تأثير ما تفعله الطريقة الترامبية على العالم، فى سابقة تعد الأولى من نوعها فى تاريخ الانتخابات الأمريكية، لأن هذا الرجل جاء من الجناح الاقتصادى وليس الجناح السياسى، جاء كرجل أعمال لا يعترف بالتقاليد ولا الأعراف ولا الثواب الديمقراطية فى أمريكا، وهذا مكمن الخطورة عندما يدخل بعض الهواة السياسيين الانتخابات من البوابة الاقتصادية دون أى خلفية حزبية أو سياسية فإن أفعالهم وتصرفاتهم وسلوكياتهم تهز المجتمع، فتصريحات ترامب جعلت الشارع الأمريكى على قناعة بأن هناك تزويرًا فى عملية التصويت سواء عبر البريد أو من خلال ماكينات التصويت الإلكترونية، وليس عن طريق الكراتين مثلما يفعل البعض.

ولكن المثير فى الانتخابات الأمريكية أن ترامب رغم أنه لا يزال على كرسى الرئاسة أثناء إجراء الانتخابات الأمريكية ويتحكم فى كل مقاليد الأمور فإنه لم يحصل على أى ميزة إضافية عن منافسه، ولم يضمن له ذلك الفوز بالانتخابات بل على العكس حصل المرشح الديمقراطى جو بايدن على أكبر عدد من الأصوات فى تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية بـ80 مليون صوت.

فاللقاح السياسى الديمقراطى كان أكثر تأثيرًا من أزمة كورونا ولقاحها، وخروج الناس للتصويت جاء للتأكيد على تمسكهم بحقهم الدستورى والقانونى، وهذا يؤكد رقى الشعب الأمريكى بجناحية الديمقراطى والجمهورى، فرغم الوباء أصر الشعب على تمسكه بحقه لأن المواطن هو الذى يصنع الانتخابات، ولا يهتم بالرشاوى ولا بالإغراءات ولا الحوافز ولا المنح، ولكنه يعبر عن ضميره ومكتسباته وحقه فى الحياة رغم كل الظروف فى أكبر قلعة من قلاع الحرية والديمقراطية على مستوى العالم، وهذا هو سر الخلطة السياسية واللغز فى هذا المجتمع الذى يعتبر الانتخابات قضية حياة أو موت تحدد مصير الدولة فى التوجهات الجديدة وتمنحه حقوقه التعليمية والصحية والاجتماعية والاقتصادية ومستوى البطالة، وهذا هو سر تفرده وتزعمه العالم بأسره.

فرغم كل التناقضات التى أحدثها ترامب فى التركيبة السياسية فى الانتخابات الأمريكية، فإن ماراثون الانتخابات ظل قائمًا حتى اللحظات الأخيرة، وهذه هى الديمقراطية يا صديقى.

إلا أن إحدى عجائب الانتخابات الأمريكية هى أصوات الأموات التى ما زالت لغزًا يعيد الذاكرة إلى الحزب الوطنى الديمقراطى فى مصر الذى كان يستخدم أسماء الموتى فى النجاح بالانتخابات البرلمانية وهو نفس ما يفعله امتداده الذى يعمل بنفس الطريقة ولكن بصورة أسوأ وأكثر فجاجة، من خلال هواة جدد فرضوا إتاوات ليفوزا بالانتخابات البرلمانية التى أحدثت غضبًا فى الشارع المصرى مثلما يحدث فى الشارع الأمريكى.

والجزء الأخطر نتيجة العالم الافتراضى الذى يعيش بنا ونعيش فيه وأصبح كارثة جديدة، هو القرصنة الإلكترونية، وهى الوجه الآخر للقرصنة السياسية من خلال اختراق ماكينات التصويت الإلكترونية فى الانتخابات الأمريكية، ووصل الأمر إلى اختراق سيرفرات مواقع حساسة ومرتبطة بالأمن القومى القومى الأمريكى، مثل موقع وزارة الخزانة، وموقع الخدمة السرية، بل وصل الحال إلى اختراق موقع وكالة الأمن القومى الأمريكى والمخابرات، وهذه هى الجريمة الكبرى لما يسمى بالثورة التكنولوجية والعالم الافتراضى الذى أصبح مخترقًا أدق خصوصيات البشر؛ حتى أصبح (الغزو الإلكترونى أكثر تأثيرًا من الغزو العسكرى) لأن الفيروس الإلكترونى، هذا المجهول، أكثر تأثيرًا وإحداثًا للفزع من فيروس كورونا الذى يبحثون عن لقاحات لعلاجه، ولكن الفيروس الإلكترونى يعيش فى عالم افتراضى وفضاء لا حدود له.

وهذا مؤشر خطير بأن العالم فى الفترة القادمة سيكون عاريًا تمامًا سواء على مستوى المؤسسات أو الأفراد، وأخشى ما أخشاه أن تتحول القرصنة الإلكترونية إلى واقع لا حل له فى المرحلة القادمة، بعيدًا عن التشريعات والقوانين واستخدام مفردات الأجهزة الأمنية فى البلدان التى تعانى من الأريحية الإلكترونية والعسكرية والثقافية والسياسية.

وعودًا إلى ترامب، فهل سيحدث هو وفريقه خللًا عالميًّا فى ثوب النظام الديمقراطى والحريات فى العالم، أم أن العالم سيسير فى طريق الفوضى والفراغ الافتراضى الذى لا يعرف أحد نهايته؟!.

فالقرصنة الإلكترونية والطريقة الترامبية هما أسوأ ما أفرزته السنوات الأخيرة، بعدما أصبح العالم الافتراضى واقعًا جديدًا، حتى تحول إلى خطر على البشرية والإنسانية والقيم الديمقراطية والحريات بل الديانات، وأصبح كل شىء مباحًا ومستباحًا.. حتى ترامب الذى ما زال مصرًّا على أنه الرئيس المنتخب افتراضيًّا للشعب الأمريكى.

وشكر الله سعيكم.