أسامة شرشر يكتب: باريس تحترق
لا شك أن لعنة الصور المسيئة للرسول، عليه الصلاة والسلام، قد أصابت الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون وحكومته الذين دعموا نشر هذه الصور، تحت مسميات حرية التعبير وادعاءات أنها أحد ثوابت الجمهورية الفرنسية، وهى فى الأساس نوع من التطرف الدينى الذى يحركه الآن فى فرنسا اليمين المتطرف أو، بمعنى أدق، الشعبويون.
وجاء القانون الأمنى الشامل، فى مادته الرابعة والعشرين، ليفضح زيف هذه الادعاءات، ويكشف أن الأمر فى أساسه موجه ضد الإسلام والمسلمين، وليس مرتبطًا بالحريات، فالقانون الذى يواجه رفضًا شعبيًّا ونخبويًّا كبيرًا فى فرنسا، يحاصر حرية التعبير، ويكمم الصحافة والإعلام، ويقمع ويرهب ويمنع أى صحفى أو إعلامى أو موقع إلكتروني من تصوير رجال الشرطة خلال فض المظاهرات أو أداء أى عمل آخر.. فعن أى حريات إذًا تحدث ماكرون؟!
فمحاولة تكميم الإعلام والصحافة الفرنسية هى أول لعنة على ماكرون بعد أيام قليلة من محاولته تقنين وضع الإساءة للرسول، عليه الصلاة والسلام.
ولأن المصائب واللعنات ستحل على فرنسا، شاهدنا احتراق باريس اليوم، خلال تظاهرات سادها العنف فى العديد من المدن الفرنسية التى خرجت لرفض هذه القيود البرلمانية الجديدة التى لم تحدث فى تاريخ فرنسا بلد الحريات ومصدّرة القوانين المدنية من قبل.
إن هذا التطرف الماكرونى يكشف عورات النظام الفرنسى الذى يدّعى الحفاظ على حقوق الإنسان والحريات، ويمارس ضغوطًا على الدول بزعم انتهاك هذه الحقوق، بينما هو نفسه مدان بانتهاك الحد الأدنى من حريات التعبير وحريات الإعلام والصحافة، فهذا القانون المعيب الذى صدر عن الجمعية الوطنية الفرنسية، والذى يمنع تصوير انتهاكات الشرطة الفرنسية ضد المواطنين الفرنسيين فى الشوارع، يمنح عناصر الشرطة حصانة غير مسبوقة ويجعلهم فوق القانون والمساءلة والحساب.
إذًا القضية فى الأساس لم تكن متعلقة بحرية التعبير أو ما شابه، بل هى نوع من الكراهية للإسلام والمسلمين وللرسول، عليه الصلاة والسلام، فهذه الحكومة الفرنسية حاولت بكل الطرق الدبلوماسية ومن خلال رسائل القاهرة أن تروج لفكرة أنها لا يمكنها فرض أى قيود على حريات المواطنين وخصوصًا حرية التعبير وحرية الإعلام، وها هى الحكومة نفسها تمنع المواطنين من تصوير انتهاكات الشرطة الفرنسية فى الشوارع وعلى الملأ، مع أن هذه الصور قد تكون دليل براءة المواطنين ضد إرهاب الشرطة، كما حدث منذ أيام بعد قيام عدد من عناصر الشرطة فى باريس بضرب منتج موسيقى من أصول فرنسية ولم يشفع للرجل إلا الكاميرات التى التقطت هذه الجريمة الشنعاء.
وأعتقد أن رسالة الأزهر الشريف لوزير الخارجية الفرنسى كانت أكبر رد وتوضيح لوسطية الإسلام ومنهجيته، فالذين يعتنقون أفكارًا متطرفة من كل الاتجاهات يسيئون للأديان والحريات والإنسانية فى كل مكان.
فالتطاول على الرسول، صلى الله عليه وسلم، هو تطاول ممنهج ومتفق عليه مع المتطرفين من الشعبويين الفرنسيين الذين عقد معهم ماكرون صفقة لتمرير أفكارهم وآرائهم ومعتقداتهم التى تروج للكراهية والحقد ضد الإسلام والمسلمين بصفة عامة والرسول، عليه الصلاة والسلام، بصفة خاصة.
واحتراق باريس، الآن، هو رسالة إلى الحكومة الفرنسية أن تتعظ وتعود إلى صوابها كبلد النور والقانون والحريات، وليس بلد الفوضى والتطرف والكراهية والأحقاد.
وأخشى ما أخشاه أن يخرج علينا ماكرون بتصريحات أن التظاهرات التى تحرق فرنسا الآن وراءها المسلمون الذين أصبحوا شماعة أو فزاعة يستخدمها أى مسئول أو حاكم أوروبى عند الحاجة، ونذكر جيدًا بعد جريمة 11 سبتمبر تصريحات بوش الابن بأن أمريكا فى حرب دينية ضد الإسلام.
أعتقد أن ما يجرى من محاولات لحصار الإسلام فى أوروبا بعد سيطرة المتطرفين والشعبويين على الخريطة السياسية هو مؤشر خطير على وضع هذه البلاد وعلى شعوبها، فباريس أصبحت الآن فى مهب الريح، بعدما تبنت لأول مرة فى تاريخها الحديث خطاب هؤلاء المتطرفين الجدد.
وما يجرى فى فرنسا وغيرها من البلدان الأوروبية بسبب تبنى هذه الأفكار المتطرفة هو نذير خطير لشعوبها التى لن تسمح بكبت حرياتها الأساسية خصوصًا حرية الصحافة وحرية الصورة التى هى أكبر توثيق للعمل الصحفى والإعلامى، وهذه السابقة لن تمحى وستكون سُبة فى التاريخ الفرنسى؛ لأن الإعلام والحريات والصحافة لا يمكن حصارها بقوانين مكبلة للشعوب، فالشعوب الأوروبية ما زالت تذكر الفاشية والنازية، وتذكر الثمن الغالى الذى اضطرت لدفعه للتخلص منهما، وما يحدث فى فرنسا الآن هو صورة أخرى من صور الفاشية بتعصبها وتطرفها، وشعبها لن يسمح بالعودة إلى هذه العصور مرة أخرى.
أفيقوا؛ فالخطر داهم ومن داخلكم، وهذه البلاد ستدفع ثمن تطاولها على الرسول، صلى الله عليه وسلم، وعلى الإسلام والمسلمين فى كل مكان.
اللهم بلغت اللهم فاشهد.