أسامة شرشر يكتب: هنا القاهرة
لا شك أن التحرك المصرى فى القضية الليبية وفتح خطوط اتصال مع كل أطراف النزاع بما فيها حكومة الوفاق- أعاد واستعاد دور وموقف مصر المحورى على المستوى العربى والإقليمى والدولى، خصوصًا مع اعتراف الحكومة التركية بالدور المصرى الفاعل فى نزع فتيل المواجهة العسكرية بين الأطراف المتنازعة، وهى شهادة حق بأن مصر تعاملت باحترافية ودبلوماسية مع الجميع من خلال الجهات السيادية الأمنية بشكل فاق كل التوقعات حتى كانت الإشادة الدولية من كل الأطراف الفاعلة فى الملف الليبى بداية بأمريكا ومرورًا بفرنسا وروسيا وألمانيا، نهاية بالبيان الذى صدر من الرئاسة التركية ومن حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج.
وهكذا يكون دور مصر على مر الأيام والزمان والأزمات، فهى مفتاح الحل عندما يتم الاستماع للكبير بخبرته وحنكته وبموقعه المتميز.
فعندما تعود مصر قوية عفية يعود العالم العربى لأنه لا بديل عن الدور المصرى، حتى فى أحلك الظروف أيام إخوان الشياطين، فمصر فى ضعفها قوة، وفى قوتها اطمئنان، وفى اطمئنانها عودة للحقوق.
وهذه أول بداية فى الاتجاه الصحيح، وهى رسالة إلى الجميع بأن مصر فى صبرها واحتمالها فى ملف سد النهضة أيضًا هى قوة لا يستهان بها، ليس من خلال المنظور العسكرى فحسب، ولكن من خلال تراكم التجارب الدبلوماسية، ومن خلال سفرائها المنتشرين فى كل بقاع الدنيا، بالإضافة إلى قوتها الناعمة فى كل المجالات.
فالحضارة، والتاريخ، لا تُباع ولا تُشترى، ولكنها موروث فى الجينات المصرية، وفى خير أجناد الأرض من رجال القوات المسلحة والشرطة الوطنية، ومن خلال مفردات شعبها التى لا يستطيع أحد أن يفك شفراته ورموزه أو يعرف مدى تحمله ووقوفه خلف القيادة السياسية.
فأعتقد أن مصر منذ أعلنت «هنا القاهرة»، من خلال إعلان القاهرة، أكدت أنها لن تسمح بتدويل القضية الليبية، وكان تحركها الداعى فى كل الاتجاهات مع كل الأطراف قد أسقط ادعاءات أن مصر تدعم اتجاه حفتر على اتجاه السراج، وهذا مخالف لأبسط قواعد الدولة المصرية والدبلوماسية، لأنها ليست دولة احتلال ولكنها دولة سلام.
وهناك كثير من الأسرار والمعلومات لم يتم نشرها عن الدور المصرى الذى تمت الإشادة به على كل المستويات العربية والإقليمية والدولية؛ ما يؤكد أن مصر كانت على صواب عندما أعلنت أنه لا حل عسكريًّا حاسم، وأن المفاوضات والحل السياسى هما أكثر الطرق للحفاظ على الأراضى الليبية وعلى الأمن القومى الليبى، الذى هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى، فمصر وتونس هما أكثر دولتين لهما حدود مع ليبيا وشعبها الحبيب.
فلذلك نجاح مصر فى نزع فتيل الحرب هو بداية لعودة مصر لكثير من الملفات العربية العالقة، خاصة فى سوريا الحبيبة والعراق الشقيق واليمن السعيد.
فعدم حدوث مواجهة عسكرية مع تركيا، اللاعب الرئيسى فى الملف الليبى، يكشف أن مصر أصبحت تلعب الدور المحورى فى الملف الليبى وخروج المرتزقة والإرهابيين من ليبيا والترتيب لعقد اللقاء الأمنى 5+5 فى برلين بألمانيا، ويؤكد أن الانفراجة الليبية والحل السلمى هما أقصر الطرق للحفاظ على مقدرات الشعب الليبى، وعلى هويته الوطنية والثقافية، وعلى عادات وتقاليد القبائل الليبية العظيمة والتى ستسعى فى المرحلة القادمة للاتحاد واستكمال الاستحقاقات الدستورية والانتخابية لعودة الجارة ليبيا إلى المجتمع الدولى بعيدًا عن الحروب العسكرية.
فعندما نهنئ القيادة المصرية والشعب المصرى وكل مؤسسات الدولة، فهى فى مضمونها تهنئة للشعب الليبى بأن ليبيا عادت إلى الحاضنة العربية بعد أن كنا سنفقدها إلى إشعار آخر.
حفظ الله مصر وجيشها وشعبها.
وادخلوا ليبيا بإذن الله آمنين.