أسامة شرشر يكتب: الناس وكورونا
أخطر ما فى محنة كورونا أنها كشفت معادن الناس، وحقائق الدول، فنجد المعدن الأصيل للمواطنين فى مصر ظهر جلياً فى التضامن والتكافل الاجتماعى بكل صوره، والمشاركة المجتمعية فى التبرع لشراء أجهزة ومعدات طبية ضرورية، ولدعم مستشفيات تعانى من بعض النواقص فى الاحتياجات، ودعم الأسر الفقيرة والمحتاجة، فقد قربت هذه الأزمة الناس وظهر التضامن والتكافل بالمفهوم الحقيقى، والإحساس بالخطر من المجهول أصبح سمة أغلب الناس.
وفى نفس الوقت كشف وباء كورونا عورات الظلم الاجتماعى على مستوى العالم، وأن الدول التى كانت تصدِّر لنا مفاهيم حقوق الإنسان والحيوان أبعد ما تكون عن تطبيق هذه المفاهيم، كما أن هذه الدول التى كانت تروِّج لنفسها بأنها القوة التى لا تُقهر بترساناتها النووية والعسكرية والتكنولوجية، ظهرت ضئيلة وعاجزة عن مواجهة هذا الفيروس، الذى هددهم فى عروشهم وأجهزة استخباراتهم، وأصبحوا لا حول لهم ولا قوة بعد أن عاثوا فى الأرض فساداً وإفساداً تحت مسمى الحريات والديمقراطيات، والإحساس بأنهم الأمة التى لا تُغلب، وما قاله ترامب، مثلاً، يدعو إلى التأمل فى هذه الشخصية الميكافيلية التى تطلب من الناس أن يخرجوا للتصويت لها وليموتوا!
بالإضافة إلى أن سلبيات هذا الفيروس الشيطانى أسقطت وكشفت لدى الرأى العام المصرى بعض رجال الأعمال الذين نهبوا هذا الوطن لسنوات طويلة، وأدلوا بتصريحات صادمة عن ضرورة استمرار الإنتاج؛ حتى ولو مات بعض الناس، وكأن الإنسان لا قيمة له مقابل الحفاظ على مصالحهم.
وأخطر ما فى هذه الأزمة هو لعبة الشائعات والأكاذيب ومحاولات خلق نوع من التوتر والقلق والخوف لدى المواطنين، وللأسف هناك البعض حاول استثمار هذه الأزمة فى تصدير الشائعات للمواطنين.
ناهيك عن سماسرة ومحتكرى المواد الغذائية الذين لم يرهبهم الموت وهذا المرض الذى يصيب الإنسان فى أى مكان، واستغلوا حاجة الناس، وقاموا برفع الأسعار لتحقيق مكاسب خيالية فى هذه الظروف الاستثنائية التى تمر بها البلاد.
ومن المفارقات الغريبة، أنه منذ أيام احتفل العالم باليوم العالمى للضمير، ولا ضمير عند بعض الأفراد وبعض الدول التى مارست نوعاً من القرصنة بالاستيلاء على المستلزمات الطبية الموجهة لدول أخرى أكثر احتياجاً، مثلما فعلت تركيا وبعض الدول الأخرى.
وعلى الجانب الآخر نجد أنه تم إعادة اكتشاف الأطقم الطبية الرائعة، الخطوط الأولى لمواجهة هذا الوباء الخطير، فقد أبلوا بلاءً حسناً فى مواجهته من أطباء وتمريض وفنيين وعاملين.
فلذلك أقترح عندما يستشهد أحد هؤلاء أن يعاملوا معاملة شهداء رجال القوات المسلحة والشرطة لأنهم يمثلون الآن الأمن القومى الطبى للمواطنين.
كل هذه التداعيات كشفها هذا الفيروس المجنون ليعيد ترتيب الأولويات لدى العالم ليكون العلم والبحث والعلمى هما همّ الدول فى المرحلة القادمة بعيداً عن السباق النووى والعسكرى.. فالبشرية أصبحت فى مهب الريح ويحدق بها الخطر، خاصة أن كل تقارير منظمة الصحة العالمية تؤكد أن هذا الوباء سيكون وباءً موسمياً لحين اكتشاف لقاح لهذا المرض، فأصبح الرهان الآن على التجارب السريرية والأبحات العلمية وعلى العلماء الذين ظُلموا فى الفترة الماضية، بعدما أصبح المدعون والكاذبون وبعض رجال الأعمال المحتكرين متصدرى المشهد الاقتصادى والسياسى.
فعندما يغيب العلم والعلماء والباحثون عن المجتمع تكون النتيجة أن يصاب المجتمع بكورونا الشائعات والأكاذيب والنفاق، فالمعرفة والعلم والبحث ستكون أدوات بقاء الشعوب فى الفترة القادمة.
ولا عزاء للناس فى كورونا وأخواتها من الشائعات والأكاذيب التى ستذهب بالعالم إلى الجحيم.