أسامة شرشر يكتب: الفساد وجهة نظر
أعلنت فى الجلسة العامة للبرلمان، أمس الأول، الاثنين، أثناء مناقشة تعديلات قانون البناء، أن هناك ظاهرة خطيرة وغريبة وهى للأسف الشديد أن «الفساد أصبح وجهة نظر» سواء فساد الذمم أو الفساد الوظيفى بواسطة أشخاص هم أدوات للإخوان من العناصر الفاسدة التى تحاول أن تستفز المواطن المصرى البسيط، خصوصًا فى الإدارات الهندسية للمحليات، وفى الوظائف التى لها علاقة بالتواصل مع الجماهير، فهؤلاء يمارسون التعذيب الممنهج ضد المواطنين كى يكفروا بكل شىء فى هذا الوطن.
لقد أصبح الفساد هو القاعدة والشرفاء غرباء فعلًا أمام طوفان الفاسدين والمفسدين الذين يعيثون فى الأرض فسادًا وإفسادًا، وأكبر دليل على ذلك هو عدد الضربات التى يوجهها رجال الرقابة الإدارية الشرفاء ضد الفساد والمفسدين، فأعداد هذه الضربات فى تزايد مستمر وفى كل المواقع والهيئات والوزارات وفى كل المستويات.
فضعاف الضمير يستغلون مواقعهم على حساب المواطن الغلبان، ويسبحون ضد التيار وضد توجيهات رئيس الجمهورية بالضرب بيد من حديد على كل فاسد مهما كان موقعه الوظيفى، فالقانون هو السيد.
وأعتقد أن الإدارات الهندسية بالأحياء والوحدات المحلية فى أغلب محافظات مصر، هى مرتع ومستنقع للفساد والفاسدين، لأن المواطن كى يحصل على رخصة بناء مثلًا، تقوم بعض هذه الإدارات بممارسات ضده أقل ما توصف به بأنها إرهاب معنوى حتى يستسلم المواطن الذى لا حيلة له من أجل إنهاء مصلحته، ودعوات المواطن البسيط تلاحق أولئك الفاسدين الذين يستحلون تعب وشقاء المواطنين والمال الحرام.
إن الفساد والفاسدين تحولوا إلى ما يشبه اللوبى فى ممارساته التى يعد أبسطها استغلال ثغرات القوانين للالتفاف حول القواعد المنظمة وتنفيذ جرائمهم ومخططاتهم، فالإسكندرية- مثلًا- أصبحت نموذجًا صارخًا لهذا الفساد وأدوار المبانى المخالفة، والمبانى الأثرية التى يتم التلاعب فى أوراقها لهدمها وإقامة أبراج سكنية مكانها خير شاهد على ذلك، وما يجرى فى بقية محافظات مصر لا يختلف كثيرًا عن هذا النموذج الفاسد.
ناهيك عن فساد ما يسمى بالتخطيط العمرانى.. فهل يعقل أن يكون الشارع الواحد فى إحدى القرى أو المدن به 3 تقسيمات مختلفة، فتجد أجزاء منه بعرض 6 أمتار وأخرى بعرض 8 أمتار وثالثة بعرض 10 أمتار نتيجة التخبط وتغيير الخرائط أو الرشاوى أو لذة تعذيب المواطنين؟!، وهناك حالات صارخة الفجاجة فى تخطيط الشوارع فى القرى والمدن، ويئن المواطنون من الكيل بمكيالين فى التخطيط العمرانى الذى أصبح للأسف الشديد جزءًا لا يتجزأ من أسباب العشوائية.
وللأسف فإن القوانين عندما يكون بها بعض الثغرات، تكون فرصة ذهبية لهذه اللوبيات، ولمحاولات الاختراق والتزوير والتضليل للحصول على رشاوى مقننة من المواطنين تحت بند رسوم هندسية أو رسوم مكاتب استشارية التى يعمل بها فى معظم الأحيان غير متخصصين وهى فى معظمها لها غرض واحد وهو نهب وسرقة المواطنين، وأصبح المواطن الذى يتمكن من الحصول على رخصة بناء فى هذا التوقيت كأنه قام بإنجاز غير مسبوق نتيجة كثرة الفاسدين فى بعض البؤر الفاسدة التى تحاول الرقابة الإدارية جاهدة السيطرة عليها، إلا أن التضخم فى الفساد يجعل الصورة مأساوية، فالأرقام والقضايا التى تعلن يوميًّا تشير لتغلغل الفساد، والقضايا التى لا يعلن عنها كثيرة أيضا.
فلذلك عندما أعلنت أن «الفساد أصبح وجهة نظر» لم أكن أبالغ، ذلك أنه نتيجة كثرة قضايا الفساد وانتشارها وتغلغلها، أصبحت أعتقد أن البعض ينظر للفساد على أنه وجهة نظر وليس جريمة، وتعدد وكثرة شكاوى المواطنين الذين يصرخون من كثرة التعقيدات الإدارية وخاصة من بعض الإدارات الهندسية وبعض الفنيين العاملين بها- ينبئ بحجم المشكلة الكبيرة، ويؤكد أن هؤلاء الفاسدين أصبحوا خطرًا داهمًا على المواطنين، وللأسف الشديد بعضهم ينتمون لجماعات ترفع شعار الدين، وتتصدر باسم الدين، وهم منتشرون فى دواوين الوزارات.
فلا نجاح لمحاولات إصلاح هذه المنظومات الفاسدة إلا من خلال قانون للإدارة المحلية، تكون اللامركزية هى عنوانه، ويتاح من خلال فرص عمل لشباب المهندسين ليتم تعيينهم ويكون لهم نسبة من عوائد التصدى للمخالفات والغرامات، حتى لا يمدوا أيديهم لأحد وتكون جهودهم منصبة على تحقيق مصلحة المواطن فى إطار الشفافية والقانون مع ضمان العائد المادى الذى يعفهم عن مد الأيدى، ويجعلهم فوق مستوى الشبهات، ولذلك طالبت بأن يتم التأنى والدراسة لتعديلات قانون البناء حتى نسد الثغرات أمام الفاسدين.
ومن هنا جاء الإسقاط بأن الفساد للأسف الشديد أصبح وجهة نظر، ونحن نقول هذا ونحن صوت الشعب المدافعين عن حقوق الوطن والمواطن.