النهار
الأحد 29 ديسمبر 2024 08:25 صـ 28 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: بورصة برلين

فى السياسة كما فى الاقتصاد.. بورصة ترتفع الأسهم فيها وتنخفض كل يوم، وكل سهمٍ يتحرك ارتفاعاً أو انخفاضاً على حسب أداء مؤسسته فى الواقع، وهو ما رأيناه بأعيننا على أرض الواقع خلال مؤتمر برلين بخصوص ليبيا، فقد ارتفعت أسهم دول وانخفضت أسهم دول أخرى عالمياً.

فالمتابع لمؤتمر برلين يعلم يقيناً أن أسهم مصر قد ارتفعت إلى عنان السماء، بعدما أدرك العالم، أخيراً، أنه لا استقرار فى المنطقة بدون كبيرها، وأنه لا ضمان لهذا الاستقرار إلا بحضور مصر، وهو ما شاهدناه ورؤساء دول العالم يحلِّقون حول الرئيس عبد الفتاح السيسى لسماع رأى الدولة المصرية فى الأزمة الليبية.

كما انخفضت أسهم تركيا إلى الحضيض، بعدما أدرك العالم أن أردوغان يحاول بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة أن يجعل ليبيا وحكومة الوفاق أسيرة للمخطط التركى، كى يصبح له متنفس على الناحية الجنوبية من البحر المتوسط، يرسل من خلالها رسائل لأوروبا أنه سيكون حائط الصد أمام الجماعات الإرهابية والهجرة غير الشرعية التى تحاول عبور المتوسط لتكون قنابل موقوتة هناك، وليصبح هذا الأمر ورقة ابتزاز للاتحاد الأوروبى فى كافة القضايا.

واستطاع أردوغان بخبث شديد ومن خلال الاتفاق مع روسيا أن يجعل تركيا هى المحطة الأولى على طريق تحقيق هذا الحلم الأردوغانى، من خلال جعل أنقرة هى الحاضنة الحقيقية لأى حل سلمى فى ليبيا.

ولكن جاءت الصفعة المدوية من الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر، لتفسد الصفقة، بعد الترتيب والتنسيق مع مصر والإمارات والجزائر وتونس.

فأصبح أردوغان لا قيمة له فى بورصة برلين، ولم يعد حاضراً للاتفاقات التى تمت داخل الغرف المغلقة، بعدما استطاعت مصر والإمارات أن تكشفا لقادة العالم المشاركين فى مؤتمر برلين من أجل ليبيا، أبعاد المخطط التركى لابتزاز ليبيا وأوربا، ومصر على وجه الخصوص.

ونجح رؤساء الدول العربية، وخاصة مصر، المشاركون فى مؤتمر برلين أن يكشفوا كل السيناريوهات والخطط المعدة لإشعال ليبيا وتحويلها إلى عراق أو سوريا أخرى أو على الأقل وضعها رهينة فى يد أردوغان، بالإضافة إلى خطة أردوغان الجهنمية للتنقيب عن البترول والغاز فى المتوسط واستخدام لعبة المصالح المشتركة بين الدول، ليروج لنفسه على أنه جزء من حل المشكلة الليبية، وليس سبباً أساسياً فيها.

فلذلك جُنَّ جنون أردوغان بعد أن استطاعت مصر أن تكشف كل المخططات الموجهة إلى مصر والأطماع الموجهة إلى أوروبا، من خلال محاولاته المستميتة لتصدير الميليشيات الإرهابية من إدلب السورية إلى ليبيا، خاصة بعد أن تمكن من الدفع بأعداد كبيرة من ميليشياته إلى طرابلس لفرض سياسة الأمر الواقع.. فهل سيكون مؤتمر برلين برعاية ميركل وماكرون بلا قيمة؟ أم سيكون بداية لحل هذه الأزمة المستعصية بسبب الطبيعة الديموغرافية للسكان وسيادة النظام القبلى والعشائرى ووجود بعض أعضاء التنظيم الدولى للإخوان فى طرابلس؟

وهل يستطيع المجتمع الدولى اتخاذ قرارات قابلة للتنفيذ على الأرض فى الأزمة الليبية؟

ولأول مرة فى تاريخ المفاوضات يتم استبعاد طرفى الأزمة وعدم حضور السراج وحفتر، حتى يتم اتخاذ آليات قابلة للتطبيق والتنفيذ على أرض الواقع فى ليبيا.
ونحن نرى أن أخطر القرارات الذى إذا تم تطبيقه يفتح الطريق لحل الأزمة فعلاً، قرار تفكيك الميليشيات الإرهابية فى طرابلس بصفة خاصة، ووقف مصادر التمويل لهذه الميليشيات، وأن يكون الحل ليبياً- ليبياً، وبرقابة ووساطة عربية ودولية، خاصة مصر ودول شمال إفريقيا التى لا ينفصل أمنها القومى عن الأمن القومى الليبى.

أعتقد أنه إذا استطاع مؤتمر برلين أن يفعِّل آليات لتنفيذ هذه القرارات على أرض الواقع، نكون قد حاصرنا الأزمة وبدأنا فك ألغازها وكمائنها التى يراهن عليها أردوغان.

والتساؤل الآن: هل سيلتزم أردوغان بهذه القرارات والاتفاقيات؟!
أعتقد أنه- كالعادة- لن يلتزم وسيخرج عن النص مثلما فعل فى سوريا.
فانتبهوا يا عرب، لهذا المخطط التركى الذى لن تتوقف آثاره عند ليبيا وحدها، بل ستمتد لتشمل كل الدول المجاورة بداية بمصر مروراً بتونس والجزائر وصولاً إلى المغرب العربى.

فإما أن يكون لنا موقف موحد أمام الحلم الأردوغانى وإما مزيد من انقسام القرار العربى المنقسم على نفسه أصلاً.