أسامة شرشر يكتب: سد النهضة والخيار المستحيل
بعد ثمانى سنوات من التفاوض المراوغ من جانب إثيوبيا صبر خلالها المفاوض المصرى صبراً طويلاً لعل وعسى ينصلح حال المفاوض الإثيوبى ويقدر الموقف المصرى المدرك حاجة أديس أبابا للتنمية، ولكن للأسف الشديد لم يكن هدف إثيوبيا سوى كسب الوقت للانتهاء من سد هو خطر على إثيوبيا نفسها، بحسب كل الخبراء الدوليين الذين اطلعوا على تصميم السد وكشفوا عيوبه، لأنه تم على عجل فى أعقاب ثورة 25 يناير 2011 بهدف استغلال الفوضى التى حدثت فى مصر.
من جانبها أحسنت القيادة السياسية بإطلاع الشعب المصرى على تطورات الأوضاع، وقد فعل ذلك الرئيس عبدالفتاح السيسى بنفسه من خلاله «تويتة» فى تويتر سبقها نقل القضية من كونها إقليمية إلى قضية دولية من خلال رسالة مدروسة عبر الجميعة العامة للأمم المتحدة حملت إشارة واضحة بأن مصر صبرها نفد ولن تقبل مراوغات جديدة من الجانب الإثيوبى.
وباتت الأمور واضحة، فالمطلب المصرى بخصوص فترة ملء وتخزين المياه في السد بحيث لا تؤثر على حصة مصر من المياه ويحفظ المنسوب المتعارف عليه خلف السد العالى لتشغيل الكهرباء وتوفير المياه التى تمنع حدوث جفاف فى مصر، فضلاً عن طلب مصر تزويدها بـ40 مليار متر مكعب من المياه التى سيتم تخزينها خلف سد النهضة، هو مطلب عادل يدعمه القانون الدولى وكل المعاهدات والمواثيق والقوانين الدولية الخاصة بالمياه والأنهار فيما يتعلق بدولة المصب وهى مصر.
وكلنا يعرف الدور الإسرائيلى المشبوه فى قضية السد، حيث تسعى إسرائيل إلى خلق مشاكل لمصر منذ زمنٍ بعيد عبر علاقات مشبوهة مع الجانب الإثيوبى.. إننا أمام لحظة مفصلية فى الأزمة ولا بد أن يكون للبرلمان المصرى دور داعم للقيادة السياسية فى إعلان رفض واضح لكل المزايدات والادعاءات من الجانب الإثيوبى حتى لو وصل الأمر لقطع العلاقات الدبلوماسية مع إثيوبيا فى هذا التوقيت حتى يشعر المجتمع الدولى بخطورة الموقف، ويجب أن يخاطب البرلمان المصرى البرلمان الإفريقى والبرلمان الدولى لوضعهما فى الصورة.
وحسناً أن بدأنا التصعيد البرلمانى مع إثيوبيا، بعد تعثر مفاوضات سد النهضة، حيث قامت لجنة الشئون الإفريقية بمجلس النواب بالتحرك لاستدعاء السفير الإثيوبى بالقاهرة للبرلمان لإبلاغه بموقف مصر الرافض لما تقوم به حكومة بلاده، كما سيتم إعداد سلسلة خطابات إلى البرلمانات الدولية حول تجاوز إثيوبيا للقانون الدولى، ورفع شكاوى للهيئات الإقليمية والدولية ومنظمات حقوق الإنسان لنقل القضية للساحة الدولية.
وكما أكدنا من قبل ونؤكد مجدداً فإن الحروب القادمة هى حروب مياه، وإثيوبيا استثمرت حالة الفوضى التى مرت بها البلاد فى مرحلة من المراحل السابقة واستطاعت أن تسرع فى بناء السد لكنها لا تدرك أن الأمر أكبر من أن يتم فيه فرض الأمر الواقع؛ فليست مصر من تقبل بهذا النوع من العلاقات.
نحن لسنا ضد التنمية والاستفادة للشعب الإثيوبى، ولكن ليس على حساب الشعب المصرى وحقوقه المائية؛ لأن نهر النيل الأطول فى العالم حسب الاتفاقيات يوجد حوله 7 دول تبنى مشاريع وسدوداً، ولكن ما تمارسه إثيوبيا من مراوغات يدل على أنها لا تحمل للشعب المصرى إلا كل الضرر والخطر فى قضية المياه التى تعتبر قضية حياة أو موت.
ولهذا فإن كل الخيارات مفتوحة لدى القيادة السياسية فى الفترة القادمة لاتخاذ ما تراه مناسباً لأن ما يجرى من الجانب الإثيوبى يدعو للحذر والحيطة وحمل الخطر ويمثل جريمة فى حق مصر والسودان وهو انتهاك فج وغير مقبول للاتفاقات والأعراف الدولية.
وليت إثيوبيا تدرك قبل فوات الأوان أن مصر أكبر بكثير من محاولات العبث بأمنها المائى وأنها لا يمكن أن تتهاون فيما يتعلق بالعبث بمياه النيل، فهذا النهر لنا كما قال جمال حمدان، صاحب شخصية مصر (سواء كانت مصر هبة النيل أو هبة المصريين، تظل فى التحليل الأخير هى النيل، لم تكن لتوجد بدونه وهو أساس الوجود المصرى كله).