أسامة شرشر: الشعب يكتب الدستور
لا شك أن التعديلات الدستورية فى مصر، التى هى حديث الشارع المصرى والشارع العربى، تمثل خارطة طريق دستورية وقانونية للقفز فوق الأكمنة والألغام التى كانت معدة فى دستور 2014 الذى وضعه نشطاء سياسيون وحقوقيون، معظمهم ليسوا خبراء دستوريين إلا قليلًا منهم.
وليس أدل على ذلك من حالة السعار الإرهابى التى انتابت الإخوان بعد الإعلان عن هذه التعديلات، حيث لم يقتصر رد فعلهم على الجانب الإعلامى المعتاد منهم فى تزييف الحقائق دون معلومات ونشر الشائعات، ومن الأشياء التى استفزتنى مطالبة الجماعات الإخوانية الظلامية فى واشنطن الرئيس ترامب أثناء لقائه مع الرئيس عبدالفتاح السيسى بالتدخل لوقف التعديلات الدستورية فى مصر، حيث إنهم يعتقدون أن مصر لا تزال غارقة فى التبعية التى عاشوها مع أوباما، وظنوا أن ذلك ضمانة وحصانة لهم من التغيير على يد الشعب حتى صعقتهم ثورة 30 يونيو، وما حدث من جانب هذه الجماعة الظلامية سابقة لم تحدث فى تاريخ العالم، وهو أن تطلب جماعة من دولة التدخل فى السياسة الداخلية لدولة أخرى لتلبية رغبة جماعة إرهابية.
بل وصل الأمر إلى ذهاب عناصر الجماعة لأعضاء فى الكونجرس الأمريكى لحثهم على تصعيد هذا الموضوع داخل الكونجرس.. وهم لا يدركون ولا يعلمون أن شفرات وجينات الشعب المصرى ترفض مجرد فكرة التدخل الخارجى سواء الأمريكى أو غير الأمريكى فى الشأن المصرى.
الشعب يصنع دستوره
ولهؤلاء الذين ضلوا الطريق وفسدت عقولهم واختل فهمهم نقول: إن الشعب هو من يصنع الدستور ليحمى به وطنه، والشعب المصرى يدرك أن الوطن أكبر من الدستور، وهو دائمًا فى مفترق الطرق يختار الوطن، ويدرك أن الشعوب هى التى تصنع الدساتير لتحقيق المصلحة العليا للبلاد وللحفاظ عليها من المخاطر التى تحيط بها وتهدد أمنها القومى واستقرارها ومستقبلها.. والدساتير ما هى إلا نصوص تنظم العلاقة بين الأفراد والدولة بهدف الحفاظ على الدولة لصالح الشعب، والكل حاليًا يميز بين العدو ومن الذى يسعى لصون وحماية الوطن، وما يفعله الإخوان ما هو إلا تكتيك للمشروع الأردوغانى الذى لا يريد لمصر أن تكون مستقرة آمنة تمضى فى صون وحماية استقرارها وأمنها القومى عبر مؤسساتها الفاعلة والواعية لما يحيط بالمنطقة من شر مستطير سواء فى الشرق أو الغرب أو الجنوب.
عقدة الإخوان وأردوغان
لقد بات الأمر مفضوحًا حيث تعانى جماعة الإخوان الإرهابية من ازدواجية مفضوحة منذ أصابها هى وأردوغان عقدة الرئيس السيسى، ولهذا نتساءل: أين كنتم أيتها الجماعات والميليشيات الظلامية والإعلامية والمواقع الإلكترونية عندما قام أردوغان بتغيير نظام الحكم نفسه من نظام برلمانى إلى نظام رئاسى يسمح له بالبقاء فى السلطة حتى عام 2029؟!
ودعونا نتكلم بصراحة.. إن أردوغان كما الإخوان يعانى نفسيًا من عقدة اسمها السيسى، وما حدث له فى انتخابات المجالس البلدية وخاصة فى إسطنبول وأنقرة وضياع مشروعه الاستعمارى، جعله فى حالة اضطراب سياسى وعدم توازن نفسى، بعدما تبخر حلمه فى تدشين المشروع الأردوغانى.
تعديل منطقى وموضوعى
إن التعديلات الدستورية التى تهدف لتوازن السلطات وحماية الأمن القومى وسط اضطرابات إقليمية غير مسبوقة، أكدت على أحقية الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الترشح لفترة واحدة إضافية مدتها 6 سنوات، ومد الفترة الحالية فقط عامين إضافيين، وبالتالى فإننا أمام تعديل لا ينطوى على تطبيق بأثر رجعى، كما حاولت أن تروج هذه الجماعات الإرهابية، فمجلس النواب المصرى بما فيه من خبرات لا يمكن أن يسقط فى مخالفة صريحة للمبادئ الدستورية، فالدستور يطبق بأثر فورى وليس رجعى.
والشعب المصرى يدرك بجيناته السياسية أن هذا التعديل فى مدة الرئاسة يأتى لسبب بسيط ومنطقى وموضوعى وعقلانى، وهو أن مشروع التنمية الاقتصادية المستدامة 2020-2030 الذى وضعه الرئيس عبدالفتاح السيسى، يتم تنفيذه بسرعة الصاروخ، خاصة فى المشروعات التنموية والمدن الجديدة التى يتم تجاوز الزمن لاستكمالها، وكأن المد الدستورى حتى عام 2030 يتفق مع خطة التنمية التى طرحها الرئيس أمام العالم كله، وبذلك يكون الرجل قد أدى دوره فى بناء مصر المدنية وفى بناء آليات واقتصاديات حقيقية تحدث طفرة تنموية فى مصر غابت عنها عشرات السنوات.
الأهم أن المجتمع الدولى لا يتوقف عند عدد سنوات الحاكم فى أى مكان، ولا يكون هناك تعصب ضد ذلك، ولكنه ينظر إلى ملفات الحريات والإعلام والتنمية الاقتصادية وحقوق الإنسان، مثلما حدث فى رواندا، التى تم زيادة عدد سنوات الفترة الرئاسية بها إلى 7 سنوات، بعد تحقيق معدلات تنمية اقتصادية مرتفعة والخروج من نفق الحرب الأهلية؛ فقاد هذا إلى تجاوز هذا البلد محنته واستمرار مسيرة التمية فيه.
حماية مدنية الدولة
النقطة الأهم فى التعديلات الدستورية التى سوف يُستفتى عليها الشعب ليقول كلمته ويكتب دستوره، هى حماية القوات المسلحة مدنية الدولة المصرية رغم خروج أصوات إخوانية أو سلفية تطالب بحذف هذا الجزء المتعلق بمدنية الدولة، وكأنهم يطالبون بدولة فاشية تتستر خلف الدين الذى هو براء منهم، لكن هيهات أن تتحقق أغراضهم وقد جربهم الشعب وكشفهم وكشف ضلالهم واقتنع بأن القوات المسلحة المصرية التى هى خير أجناد الأرض، ستبقى هى الحامى الحقيقى للشعب المصرى ولكل مؤسسات الدولة، دون التدخل فى الحياة السياسية، لأنها أكبر من ذلك بكثير، وهو ما شاهدناه بأعيننا بعد 2011، فقد قامت القوات المسلحة والمشير طنطاوى بإدارة العملية السياسية فى مصر ببراعة، ولم تطمع فى السلطة بل قامت بتلسيمها للشخص الذى انتخبه الشعب المصرى وقتها وظنه قادرًا على قيادة البلاد، ولكن محمد مرسى خيب هذا الظن، وظهرت فاشية جماعته وسالت دماء وكادت تحدث حرب أهلية، حتى قام الشعب نفسه بالخروج فى مظاهرات 2013 والتى وصل تعداد المشاركين فيها إلى 30 مليون مواطن وحشدت الجماعة الفاشية عناصرها ومن والاهم من إرهابيين آخرين حتى تكون فتنة كبرى، لكن القوات المسلحة المصرية والشرطة والمدنية تصدوا لهذه المؤامرة وحفظوا الدولة من مصير خطير ومدمر.
أما بالنسبة للهيئات القضائية والمجلس الأعلى للقضاء فقد كان اقتراحى أن يرأسهم أحد رجال القضاء، لا وزير فى الحكومة يمثل السلطة التنفيذية، وهذا هو نفس مطلب الهيئات القضائية، تأكيدًا لاستقلال القضاء الشامخ الذى هو إحدى ركائز الحكم المتينة والقوية.
بالإضافة إلى ضرورة استقلالية مجلس الدولة ومراجعته العقود الخاصة بالدولة؛ لأن ذلك سيمنع أى جيوب خلفية للفساد أو الإفساد.
وبالنسبة لكوتة الـ25% الخاصة بالمرأة، فقد كان رأيى أن يتم توزيعها على المرأة فى كل الفئات، سواء الأقباط أو الشباب أو ذوى الاحتياجات الخاصة أو المصريين فى الخارج أو العمال والفلاحين، لنكون قد حققنا مبدأ المساواة بين كل فئات الشعب، كما نص الدستور فى المادة 53 منه، وحتى لا يحدث طعن على المادة.
ونرى أن يكون هناك أكثر من نائب لرئيس الجمهورية، يتم تعيينهم لمساعدة رئيس الجمهورية فى إدارة ملفات وشئون الدولة، وليس من حقهم الترشح، حتى نقضى على الموروث القديم القائم على أن نائب رئيس الجمهورية هو البديل له فى مقعد الرئاسة، مثلما حدث فى فترات سابقة وليس سبيلًا ووسيلة لمساعدته والقيام بمسئوليات استثنائية فى لحظات استثنائية.
الأمن القومى المصرى
ثم إن ما يجرى من أحداث ومجريات فى المنطقة ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمن القومى المصرى يتطلب منا ترتيب أوضاعنا للتعامل معه بقيادة وسياسات لديها دراية ووعى كافٍ بكل المعلومات وما خفى منها، وأخص من ذلك ما يجرى فى السودان الذى كان نظامه يمثل بؤرة خطيرة خرجت من مدرسة حسن الترابى وجبهة إنقاذه المزعومة والتى اختطفت السودان سنواتٍ طويلة، إلا أن الشعب السودانى العظيم وتجمعات المهنيين رفضوا استمرار هذا الوضع، وكانوا المحرك الرئيسى لثورة الخبز، بعيدًا عن الأحزاب والقوى السياسية التى كان ولاء بعضها للنظام وليس للشعب ليمر السودان الآن بمرحلة مخاضٍ عسيرة تحتاج فى مصر لقيادة ممسكة بكل الأوراق والمعلومات للتعامل مع هذه التطورات.
بالإضافة إلى ما يجرى من حراك فى الجزائر وعودة جبهة الإنقاذ الإسلامى وعباس مدنى للظهور فى هذا الحدث التاريخى الذى أحدثه الشعب الجزائرى ومحاولة الإخوان الوقيعة بين الشعب الجزائرى والجيش هناك.
وأخيرًا ما يجرى فى ليبيا والدعم الكبير لإخوان ليبيا من أجهزة المخابرات التركية والتمويل القطرى العلنى، لوقف إعادة طرابلس للدولة الليبية، واستعادة الجيش الليبى السيطرة على الدولة وطرد الجيوب الإخوانية.
كل هذا يجعلنا نطالب المواطنين والجماهير بالنزول للاستفتاء على التعديلات الدستورية لتكون عونًا لوطننا وقيادته على اجتياز هذه المرحلة الصعبة بأمان، لأن الشعب هو الذى يصنع الدستور من خلال موافقته.
وعلى الشباب والمرأة وكل المصريين فى الداخل والخارج أن يدركوا ويتفهموا مخاطر هذه المرحلة الاستثنائية التى يمر بها الوطن.
وأقول لهم بكل صراحة.. اخرجوا للتعبير عن رأيكم سواء بالقبول أو بالرفض، المهم هو المشاركة الكثيفة والفعالة فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، لنعطى رسالة للعالم أن الشعب المصرى يعى ويفهم خطورة ما يواجهه الأمن القومى لمصرنا الحبيبة، إقليميًا وعربيًا ودوليًا.
وأن الشعب المصرى جنبًا إلى جنب مع قيادته للعبور سويًا على جسر الأمل لمستقبل أفضل.. اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.