أسامة شرشر يكتب: خطة وزارة الأوقاف لقطع رأس الثعبان
أخيراً وضعت وزارة الأوقاف يدها على رأس الثعبان، فبعد أن كان التعامل فى الماضى يتم مع البطن والذيل، ويظل الرأس ينفث سمه فى شرايين الوطن، هذا الرأس هو جماعة الإخوان التى تتخفى تحت ستار أنها لا تحمل السلاح فى العلن، بينما كل جماعات الإرهاب التى تتستر بالدين خرجت من تحت عباءتها وتشرّبت أفكارها القطبية لتقتل وتدمر فى كل الاتجاهات بأفكار ضالة.
لذا فإننى أعتبر أن المؤتمر الذى عقدته وزارة الأوقاف مؤخراً وأعلنت فيه عن أكاديميتها لمحاربة الفكر المتطرف هو من أهم المؤتمرات التى انعقدت فى السنوات الأخيرة؛ فهو يثبت أن الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، يمضى فى الاتجاه الصحيح بفكرٍ مستنير فى مواجهة قوى الشر والظلام، فنحن لأول مرة أمام مشروع تنويرى حقيقى لتفكيك وحصار البنية التحتية للفكر الظلامى الإخوانى الإرهابى، من خلال قراءة حقيقية لأرض الواقع، بعيدا عن الشعارات والكلمات الرنانة.. وما يجرى فى مصر وفى العالم العربى يجعلنا نعترف بأننا كلنا مقصرون فى التصدى للأفكار المتطرفة التى نتلقاها من هذه الرؤوس الظلامية عبر وسائل متعددة فى محاولات مستميتة لإسقاط الهوية الوطنية وإحداث فتنة بين الدولة والدين.
ونتيجة غياب الإرادة السياسية فى عالمنا العربى فى السابق، تغلغلت هذه الأفكار الظلامية فى عمق الشارع المصرى والعربى رافعة شعار الدين والدولة ضدان لا يلتقيان، وكان لهذا مردوده على أرض الواقع لأنه لم يجد شخصية كوزير الأوقاف تتصدى له وتحاربه بسلاح الحق.
لقد انتشرت هذه الجراثيم التى تتحدث باسم الدين كذباً وزوراً، واستطاعت أن تخترق كل المحظورات وتشكل قواعد ولوبيات وتحدث أزمة حقيقية وانقساماً فى العقل المصرى والعربى.
لذلك جاء هذا المؤتمر كرسالة تدق ناقوس الخطر، وتحذر مما يهدد الكيانات العربية ومفهوم الدولة على رأسها، حيث جاء المؤتمر كمشروع تنويرى كبير تجمعت فيه العديد من العقول المصرية والعربية لفض الاشتباك بين المصطلحات والأفكار وبين الثابت والمتغير وبين المقدس وغير المقدس، وهى الأفكار التى حاولت الجماعات الظلامية بكل ما أوتيت من قوة أن تزيفها وتزيف وعى الناس بها لتزلزل عقول الشعوب العربية، وتخترق القيم الأصيلة لهذا الدين ولهذه الشعوب، واستخدمت فى ذلك خطاباً إعلامياً براقاً ورناناً، حتى حدث انقلاب فى الجينات العربية والمصرية، وأصبحنا متلقين لا منتجين للأفكار، وتركنا خلفنا الفكر التنويرى الوسطى المعتدل، الذى دعت كل الديانات السماوية إلى احترامه وتقديسه، من خلال المواطنة، التى غرس بذورها الرسول، عليه الصلاة والسلام، فى المدينة المنورة «لكم ما لنا وعلينا ما عليكم» مؤيدة بالنص القرآنى، (لكم دينكم ولى دين) سورة الكافرون.
ولقد توقفت طويلاً عند جملة وزير الأوقاف (مصالح الأوطان لا تنفك عن مقاصد الأديان)، وهذا هو لب القضية، التى حاولت الجماعات الظلامية منذ السبعينيات تشتيت العقل العربى عنها، فى محاولات مستميتة للتفريق ووضع حواجز دينية مصطنعة بين الدين والدولة، وكأنهما طرفان لا يلتقيان، محاولين أن يشككوا فى عقيدة الجيوش التى تحمى الأديان قبل الأوطان، وأن يبعدوا الناس عن العلماء والباحثين، كى يطوعوا العلم لخدمة رؤيتهم الشيطانية، من أجل أن يصلوا فى النهاية لاختراق الأمن القومى العربى والمصرى من خلال هذه الأطروحات والأفكار.. وما زلنا جميعاً نذكر لقاء محمد بديع مع كارتر الذى حضره خيرت الشاطر فى المقطم لطرح فكرة التنازل عن جزء من سيناء لحماس، فهذه هى عقيدتهم؛ حيث لا يقدرون قيمة الاوطان؛ فالوطن عندهم حسب المفهوم القطبى ( حفنة عفنة من تراب).
لذلك جاء هذا المؤتمر التنويرى والتثقيفى كأول خطوة فى طريق مواجهة هذا المد الظلامى، من خلال دراسة اللغات الأجنبية وفنون التواصل والرد الإعلامى والتكنولوجى والإلكترونى لنكون على صلة بكل سكان الكرة الأرضية، ولنشرح لهم مفهوم الدين الحقيقى، ومن هنا نكون قد تواصلنا مع الداخل والخارج، ووضعنا إطاراً للتعامل مع كل المنصات الدينية والإعلامية والنفسية والاجتماعية التى تريد أن تسقط هذا الوطن من خلال اللعب بورقة الدين الذى يمثل للبسطاء والعامة من أبناء الشعب المصرى الملاذ والمأوى.
وأتمنى أن تكون الأكاديمية التعليمية والتثقيفية التى افتتحها وزير الأوقاف بداية لتدريب الدعاة والأئمة والكوادر العلمية للانطلاق ونشر الأفكار السليمة والتصدى للأفكار الهدامة بسرعة الصاروخ، لأن الدقائق أو الساعات قد تَفرق أو تُفرِّق فى انضمام فريق لهذا الاتجاه أو ذاك.
فعندما تركنا الساحة المصرية والعربية للمدعين من شيوخ السلفية الجهادية والإخوانية خرجت علينا فرق وأحزاب تريد أن تأخذ البلاد والعباد إلى مصير لا يعلمه إلا الله.
فلو نجح الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، فى التعاون مع وزراء الأوقاف العرب فى هذا الإطار، فستكون الأكاديمية نقطة انطلاق لكسر كل الحواجز الإعلامية والدينية المصطنعة، وستمثل بداية لخطاب دينى مستنير دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى مراراً وتكراراً.
وهذه أول خطوة فى طريق كشف المخططات الظلامية والإخوانية الإرهابية التى تهدف لإسقاط الأوطان التى تمثل لهم مجرد مسميات ومصطلحات، ووسيلتهم فى ذلك تشويه الجيش المصرى العظيم والشرطة الوطنية، اللذين يمثلان الدعامة الرئيسية فى الحفاظ على الهوية الوطنية والدولة المصرية والأمن القومى العربى.