النهار
الأحد 29 ديسمبر 2024 08:44 صـ 28 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: أمريكا والشرق الأوسط.. قراءة فى خطاب مايك بومبيو

أخيراً أدرك الأمريكان دور مصر المحورى فى المنطقة، خاصة فى مواجهة الإرهاب والتطرف، والأخطر دورها فى ملف الهجرة غير الشرعية، الذى لعبت فيه مصر دوراً خطيراً لمنع تصدير الهجرة غير الشرعية إلى أمريكا وأوروبا.

أخيراً اعترفت أمريكا بخطيئتها بالسعى لنشر الفوضى بالشرق الأوسط وبدورها فى دعم التطرف، حيث وجه وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو فى خطابه الخميس الماضى بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بعد عشر سنوات من خطاب أوباما فى جامعة القاهرة- عدة رسائل، ما يهمنا منها أمران أما الأول فهو توجيهه سهام نقده إلى الرئيس الأمريكى السابق باراك متهماً إياه  بـ«نشر الفوضى فى الشرق الأوسط جراء فشله فى التصدى للمتشددين الإسلاميين بشكل مناسب» وكيف أن مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى تستحق التقدير، مشيداً بشجاعته فى نبذ التطرف والتصدى له  ومقدماً له التحية على «جهوده فى دعم الحريات الدينية»، ودعا زعماء العالم لـ«الاقتداء به». فرغم كل محاولات تفكيك وإسقاط الدولة المصرية فى مرحلة ما، من خلال دعم وتأييد التنظيم الدولى للإخوان فى أمريكا وكثير من العواصم الأوربية، ورغم أن أمريكا كانت الراعى الحقيقى لداعش فى سوريا تحديداً وكذا فى العراق، بل تم إمداد التنظيم بأحدث الأسلحة لمحاولة إسقاط الدولة السورية فى بئر الطائفية إلا أنه يبدو أن أمريكا تراجع الآن سياستها فى الشرق الأوسط.

 فقد اعترف بومبيو صراحة بأن خطاب أوباما بجامعة القاهرة دشن علاقة قوية بين أمريكا والإخوان وفتح لهم الطريق إلى الحكم، ورغم أن الاعتراف متأخر إلا أنه يحمل رسالة واضحة بأن أمريكا تخطط لوضع جديد فى الشرق الأوسط وهو وضع تكشفه الرسالة الثانية لمايك بومبيو التى تتمثل فى تركيزه على إيران وإسرائيل وتدشينه مرحلة جديدة من الصراع السنى الشيعى، وهو أمر تتعامل معه مصر وفق استراتيجية حكيمة؛ فقد انتبهت الدولة مبكراً إلى محاولات جرها لتنفيذ المخطط الجديد والاشتراك فى الحرب القادمة، التى هى بين التيار السنى والتيار الشيعى، بل إنه يتم الترويج لإسرائيل على أنها خندق التيار السنى والمواجهة للزحف الشيعى الإيرانى، وتدعى إسرائيل أنها على علاقة ببعض الدول فى الخليج العربى.

وهو ما يطرح  التساؤل المهم وهو: لماذا تتم زيارة مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكى فى هذا التوقيت؟ ولماذا اختار منصة الجامعة الأمريكية لإلقاء رسائل فى كل الاتجاهات؟

فهذه الزيارة بهذه التفاصيل تعيد إلى الأذهان زيارة كونداليزا رايس فى 2005 وكلمتها فى الجامعة الأمريكية، وكذا زيارة أوباما فى 2009 وكلمته فى جامعة القاهرة، فكونداليزا فى كلمتها ادعت أنها تقف مع الشعوب المضطهدة ضد الحكام المستبدين، وأوباما فى كلمته تحدث فى زاوية جديدة فتحت الباب للتطرف ليحكم رغم مزاعمه بحصار التطرف، رغم أنه كان أحد الداعمين للعناصر الإرهابية، وكان يسعى بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة لإحداث فوضى فى مصر (العمود الفقرى للعالم العربى) وهو الجانب الذى اعترف به بومبيو فى كلمته، وذلك من خلال دعم الإخوان المسلمين لتكرار النموذج التركى فى مصر، ليكون النموذج المصرى امتداداً له، ودون أى مساس بإسرائيل.

يمكننا القول بأن زيارة وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو إلى مصر وتوجيه رسالة للعالم العربى من الجامعة الأمريكية، جاء  لتغير البوصلة 180 درجة، معلناً ومؤكداً أن مصر أكبر حليف استراتيجى للولايات المتحدة، وأثنى ثناءً غير عادى على الرئيس السيسى، خصوصاً افتتاحه الكاتدرائية والمسجد فى العاصمة الإدرية الجديدة، بل إنه قام بزيارتهما قائلاً «هذا هو الإسلام المعتدل».

إلا أن الزيارة كشفت أيضاً أن أمريكا تسعى لتشكيل تحالف أمريكى عربى جديد هدفه مواجهة إيران وحصارها وأن هذا المسعى الأمريكى الجديد يريد حليفاً عربياً قوياً، ولهذا لم يكن غريباً أن يعلن وزير الخارجية الأمريكى من الجامعة الأمريكية أن أمريكا قضت على 90% من داعش فى سوريا، لأنه يريد أن يقول «نحن معكم فى خندق مواجهة الإرهاب»، ولكن الواقع والجغرافيا يؤكدان عكس ذلك، وأن القضية الأولى والأخيرة فى أجندة السياسة الأمريكية فى المنطقة هى الحفاظ على أمن إسرائيل.

والتساؤل المهم هنا الذى تجاهله بومبيو فى رسائله: ما هو الموقف الأمريكى من قطر التى أصبحت أقوى حليف استراتيجى لإيران، رغم أن بها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية وقاعدة عسكرية تركية؟! فعن أى تحالف عربى ضد إيران يتحدث بومبيو؟!

إن الأمر برمته يحتاج مشاورات عربية– عربية لتنسيق المواقف، ومن هنا فإنى أشيد بزيارة الرئيس السيسى للأردن بعد زيارة بومبيو والتى أعتقد أنها سيتبعها زيارات عربية– عربية، حيث يتطلب الوضع الجديد مشاورات ورؤية جديدة تحقق المصلحة العربية فى المقام الأول والأخير فى مواجهة العواصف القادمة دولياً وإقليمياً وعربياً.