أسامة شرشر يكتب: إلى عرفات الله
فى لحظات القرب من الله تسقط الحواجز وتذوب الفوارق، فى أطهر بقعة على ظهر الأرض، وهى الكعبة المشرفة، التى يطوف الناس حولها بأرواحهم قبل أجسادهم، وكل يناجى رب العفو والمغفرة على ما ارتكبه فى دنيا البشر من خطايا وأخطاء وذنوب.
فى هذه اللحظات تكون أبواب السماء مفتوحة وتستقبل دعوات وآهات ودموع ملايين البشر من المسلمين، فى كل أنحاء العالم، فتتوحد اللغات، وترفع الأيادى بالدعاء، وتبكى العيون، وتهرول الأجساد إلى عرفات الله وتكمل مناسك الحج.
وعندما تتأمل رمى الجمرات على إبليس والشياطين، تجد أن الأرواح تهفو وتقترب إلى السماء، لتعلن تبرؤها من ذنوب الأرض.. وما أحلى الرجوع إلى الله فى لحظة ضعف وبكاء ودعاء وأنين، فتتوقف الحياة، ويتساوى البشر فقراء وأغنياء فى منى وعرفات!.
وليت الإنسان يتعظ كى تستمر هذه اللحظات بداخله ونحافظ على علاقاتنا ببعضنا البعض، فما أجمل أن تتواصل الأرواح والنفوس والعقول، من خلال العادات والتقاليد وصلة الرحم، التى افتقدناها فى عالم الفيسبوك، الذى يسمى بالتواصل الاجتماعى، وهو أول ما يفسد هذا التواصل، بعد أن أصبحت سلوكيات البشر إلكترونية، وليست إنسانية.
وعندما نكون فى الكعبة المشرفة نقبل الحجر الأسعد ونرتل القرآن الكريم، ونحافظ على الصلوات فى الكعبة، ونؤدى مناسك الحج، ويعود الإنسان المسلم إلى وسطيته واعتداله وحب الآخر وليس جحود الآخر.
وليت كل من يدعى أنه فقيه ومنظر مستخدما آيات القرآن الكريم لأغراض سياسية وإرهابية، ليته يعلم أن العمر ساعة والدنيا سوق قامت ثم انفضت، ربح فيها من ربح، وخسر فيها من خسر، وليتنا نتعظ فى هذه اللحظات، ولكننا ننسى ونتناسى بعد أن نطهر أنفسنا وأرواحنا بزيارة الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وسلم، فى المدينة المنورة التى ستظل إلى قيام الساعة «منورة» برسول الله وصحابته الكرام، وبالبقيع الذى لا يعادله أى بقيع فى الأرض.
وفى المدينة المنورة تهفو الروح إلى السماء، كأنك لست فى عالم البشر، فأهل المدينة يستقبلون حجاج بيت الله من شتى بقاع الأرض بكل بشاشة وإنسانية تُدرسُ لكل من يتحدثون عن حقوق الإنسان وهم أبعد ما يكونون عن حقوق أنفسهم، فليأتوا ويتعلموا فى مدرسة المدينة المنورة، كيف يتعامل الإنسان مع أخيه الإنسان، وكيف يحافظ الإنسان على أرضه وعرضه، ولا يفجر وطنه ولا يقتل أخاه.. فهذه هى أخلاق المدرسة المحمدية فى المدينة المنورة.
فعندما تزور مسجد الروضة الشريفة تشعر أنك فى عالم آخر، حتى قال أحد الشعراء:
وعند رسول الله قد نزل الركب.. وقولوا له: يا أحمد يا محمــــــــــد
محب من الزوار عـــوقه الذنب.. فهل عسى جاءك المقبول؟!
فهذه هى الرسالة التى علينا جميعا أن نستفيد منها ويعود التضامن الإنسانى والإسلامى والعربى لنتخذ من مناسك الحج وزيارة الرسول نبراسا وضوءا حقيقيا يعيدنا إلى أنفسنا ويعيد أنفسنا إلينا ويعيد الوطن بداخلنا، ويعيد عالمنا العربى إلى ما نتمنى وأفضل.
فإلى عرفات الله وقبر الرسول يتلاقى المسلمون من كل أجناس الأرض ليقولوا (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لبيك لا شريك لك).