أسامة شرشر يكتب: سوريا يا عرب!
من المفردات الخطيرة والغريبة فى القمة العربية الأخيرة بالظهران، أننا لا نستطيع أن نفرق بين العدو والصديق، فالبوصلة العربية لأول مرة تتجه في الاتجاه المعاكس، الأمر الذى يعتبر مؤشر خطر على المنطقة بأسرها، بعدما فقدنا خصوصيتنا القومية والعروبية، التى أصبحت في طي النسيان، نتيجة انقلاب الهرم القومي للعالم العربي.
فالدول الفاعلة التى كان لها جيشٌ ودرعٌ أصبحت مباحة ومستباحة أمام الخيانات وتصفية الحسابات على حساب الحد الأدنى من الوحدة العربية التى أصبحت مفعولا بها وليست فاعلة، وهذه هي الكارثة الكبرى.
فالتضييق والتخوين واستدعاء القوى الغربية أصبح هو الخلطة السرية لتفتيت عالمنا العربي، على حساب الثوابت القومية ووحدة الأراضى العربية، وحل مشاكلنا وخلافاتنا العربية- العربية، والتى كان يتم حلها من قبل من خلال ما كان يسمى بيت العرب، والذى لم يعد بيتا للعرب، بل أصبح بيت الطاعة لأمريكا وإسرائيل.
فأصبحت القواعد الأجنبية فخرًا لنا.. وأصبح تأييدنا لإسقاط الدول الشقيقة مبعثا على الفخر وياللعار! .. وأي عار عندما نبيع أوطاننا وكرامتنا؟!
فدعونا نقولها بصراحة.. إن سوريا بداية وليست نهاية، لأن الدور القادم على الدول التى اعتبرت العدو صديقا والصديق عدوا..
فعندما تتجمد الشرايين العربية ويكون الدم أمريكيا والفيروس إسرائيليا، يجب أن أقولها من أعلى مئذنة في دمشق الحبيبة وفلسطين الحزينة واليمن السعيد وبغداد الحزينة وليبيا المتأزمة .. ارجع إلينا يا عمر لاننا نعيش في زمن التردى والتشفى بين الأشقاء.. ارجع إلينا يا عمر لأننا فقدنا هويتنا وثقافتنا وأمننا القومي..
فهل نسينا أو تناسينا أن الجيش المصري العظيم، والجيش العربي السوري، هما من حرر الكويت؟
وياللأسف والأسى أن يكون هذا هو حال أقدم منظمة إقليمية، وهى جامعة الدول العربية، التى أصبح وجودها عبئًا على الشعوب العربية، بعدما تراجع مفهوم الأمن القومى العربى بمفهومه الشامل، أمام مفهوم الأمن القُطرى للدول بمفهومه الضيق، فالدول العربية الآن تهتم بمصالحها الضيقة، ولو كان ذلك على حساب العالم العربى، الذى أصبح مباحًا ومستباحًا أمام التدخلات الإقليمية والدولية، فصرنا مفعولاً به ولسنا فاعلين، حتى أن سوريا التى كانت تعتبر البعد القومى الحقيقى، وأحد أضلاع مثلث الأمن القومى العربى بصفتها – مع العراق - حارس البوابة الشرقية للأمة العربية، مقعدها اليوم شاغر فى الجامعة العربية، ومستمر فى الأمم المتحدة!
وهذا يجب أن يكون مؤشرًا لعالمنا العربى أنه حتى لو اختلف البعض مع الرئيس السورى بشار الأسد أو مع النظام السورى، فإنه يجب أن يظل أمامنا أمر لا نختلف عليه، وهو وحدة التراب السورى، ودعم الشعب السورى، والجيش العربى السورى، الذى يواجه التيارات الظلامية والميليشيات الإخوانية والقوى العالمية بقيادة أمريكا وبريطانيا وفرنسا.
وها هو الشعب السورى اليوم، وتحت قصف الصواريخ الأمريكية والبريطانية والفرنسية، ينادى من جبل قسيون ومن كل مكان فى بلاد الشام: سوريا يا عرب.. تضيع إلى الأبد.. وهناك محاولات لإخفائها من الخريطة العربية، بعدما تركنا أمريكا وبريطانيا وفرنسا، ومعهم بالطبع عدونا الحقيقى إسرائيل، يفعلون ببلاد الشام ما يفعله بالضبط أى مستعمر، وبعدما تركنا تركيا وإيران يحددان سياسة المنطقة أمام صمت عربى مريب، فأصبحت سوريا تقف وحدها، وربما معها سوريا أمام مؤامرات عالمية وجيوش دول كبرى.
وهنا أتذكر فى قمة شرم الشيخ، أول قمة يحضرها الرئيس عبدالفتاح السيسى بعد انتخابه رئيسًا لمصر، عندما طالب بتشكيل قوة عسكرية عربية لتكون حائط صد أمام محاولات ومخططات الدول الطامعة فى المنطقة العربية بوعيه وفهمه العميق للأحداث، لأن العالم لا يحترم إلا لغة القوة، ولكن تكاسل الدول العربية فى الاستجابة لهذه المبادرة، قادنا إلى الوضع الحالى، فنحن العرب قتلنا الشعب السورى، ومنا نحن من يحاول إسقاط سوريا بأموال عربية، فكيف نطالب الآخرين باحترام أمننا القومى؟!
أى أمن قومى بعدما سمحنا لأمريكا بأن تُسقط العراق فى 2003، واليوم نبكى على ما يجرى فى عالمنا العربى من انقسامات وخلافات كانت فى الماضى تتم داخل الغرف المغلقة، بينما هى اليوم تُذاع على الهواء مباشرة، مع تسارع بعض الدول العربية بإعلان التطبيع الاقتصادى والسياسى مع إسرائيل، وكأننا نسينا أن إسرائيل هى عدو الشعوب العربية الأول، حتى أصبحت القضية الفلسطينية نفسها فى خبر كان.
ولم يحدث فى تاريخ المنطقة أن أصبحنا لا نعرف حتى من هو العدو، ومن هو الصديق، فكفانا شعارات وكلام، فالقادم أصبح مجهولاً.
والرهان الآن على الشعوب العربية التى ستنتفض مهما طال الزمان، لتعلن أن القدس عربية، وأن سوريا ستبقى بوابة الأمن القومى العربى الحقيقى.
فدمشق لن تسقط، مهما طال الزمن، طالما فيها شعب وجيش عروبي يحمى ترابها الوطني وتراثها وتاريخها المحفور في عمق الحضارة البشرية..
وسيصلى الأحرار والشرفاء من المحيط إلى الخليج في المسجد الأموى حتى لو كره المتأمركون.
وشكر الله سعيكم
وعجبي؟!