أسامة شرشر يكتب: بكائيات على جدار القدس
حقيقة لا بد أن نعترف بها أننا أصبحنا لا نمتلك حتى البكاء النفسى والروحى على ما جرى ويجرى للقدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين، وهى من الأماكن المقدسة التى تهفو إليها مشاعر المسلمين جميعا، والمسيحيون أيضا الذين يحجون إليها.
ورغم البكائيات، أنا متفائل جدا لأننا أخيراً أفقنا من غيبوبة أن أوراق اللعبة والحل فى أيدى الأمريكان وحدهم، فرفعنا شعار السمع والطاعة وتقديم القرابين وإعلان الولاءات للرؤساء الأمريكان فى البيت الأسود وليس الأبيض.
فقد كشفت الأحداث الأخيرة عن وجه أمريكا القبيح، ولعبة العميل فى الثلاجة، حيث تخرج لنا بين الحين والآخر عميلاً أو قراراً مجمداً حان وقته وبإخراج قرار الكونجرس المجمد من العام 1995 وهكذا سقطت ورقة التحالفات وحقوق الإنسان والحريات، بعد أن كشف ترامب من خلال تغريداته المجنونة أن إسرائيل هى كل شىء بالنسبة لواشنطن، ولا شىء أهم لأمريكا من تل أبيب بما فى ذلك كل البلاد الإسلامية والعربية.
وأكدت هذه التعرية الروحية لأحد أقدس الأماكن على وجه الأرض، وهو القدس، أن أمريكا لا يجوز ولا يصح أن تلعب مجدداً دور الوسيط النزيه فى أى قضية عربية أو إقليمية أو دولية لأنها لا تعمل إلا لحساب اللوبى الصهيونى الذى يمثل لها كل شىء، ومهما عقدنا صفقات بمليارات الدولارات مع الأمريكان، فإن جدار الكراهية للمسلمين سيبقى حاجزاً إلى يوم القيامة، وهى الكراهية التى تحولت إلى التقليل من شأن العرب والمسلمين، ولا ننسى قول جولدا مائير أن أفضل وأصعب يوم فى حياتها هو يوم يتم حرق المسجد الأقصى حتى كانت تتوقع زحفاً عربياً إلى المدينة المقدسة ولكنها فوجئت بأن رد الفعل العربى أو الإسلامى كان الاكتفاء بممارسة البكاء ومجرد البكاء لأنهم لا يمتلكون من أمرهم شيئاً.. وهو ما عبر عنه مظفر النواب بقوله..
"لست خجولاً حين أصارحكم بحقيقتكم.."
والحقيقة المؤكدة أنه عندما غابت يد المقاومة وضعفت الانتفاضة وتم احتواؤها، سقط آخر قنديل زيت على أرض الحقيقة، ولكن رغم هذا الظلام التام، فما زلنا نراهن على الشعب الفلسطينى والشعوب العربية والإسلامية أنها ستفسد كل التوقعات وستتصاعد الأحداث بشكل يؤدى إلى حسابات جديدة فى المنطقة بل فى العالم، الأمر الذى سينتهى إلى انتفاضة تعيد توزيع موازين القوى فى العالم، بعد أن ذهل الأعداء قبل الأصدقاء من هذا القرار الجنونى لترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس- وهذا لن يحدث- ولكننا نتحدث عن أدبيات ورمزيات تعطى دلالة خطيرة بتقنين وتشريع الاحتلال ونسف كل المواثيق الدولية والمعالجات والقرارات الأممية كأنها غير موجودة لتتحول الأمم المتحدة والجمعية العامة والمحاكم الدولية إلى حالة ذهول واستغراب واستنكار من هذا القرار الترامبى الذى فجّر العالم وأعطى الضوء الأخضر لكل الميليشيات الإرهابية المدعومة بأجهزة المخابرات الأمريكية لتمرح وتفعل ما تريد، ولكن فى لحظة ما سينقلب الإرهابيون على الأمريكان مهما كانت الإغراءات والدوافع، فحياة الشعوب وأرضى الأوطان لا يمكن أخذها من خلال تغريدة على «تويتر»، وينتهى الأمر لأن حساباتهم التى بنوها على بيانات مراكزهم البحثية والإعلامية أنه ستحدث غضبة وقتية وينتهى هذا الدخان إلى رماد وكأن شيئاً لم يكن، ولكن لا يدركون أن المساس بالقدس كالمساس بالكعبة المشرفة ومسجد الرسول الكريم، يحرك مشاعر أكثر من مليار و800 مليون مسلم على مستوى العالم.
ومن هنا كان موقف الأزهر الشريف والكنيسة المصرية الأرثوذكسية، ورفضهما هذا العمل الإجرامى الذى يمس الإنسانية والبشرية والأديان السماوية، ورفض الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب والبابا تواضروس، مقابلة نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس، هو أبلغ رد على أن الشعوب العربية ما زالت تجرى فى دمائها روح المقاومة والتمرد انحيازاً لأن القدس عروس عروبتنا ستظل هى قبلة الأحرار فى كل مكان، برغم الاختلافات والخلافات العربية العربية وحالة التردى التى تمر بها أمتنا، ولكن الأمل موجود فى تحركات تعيد توحيد الصف مرة أخرى، لأنها لو كانت تحركت بعد سقوط بغداد ودمشق لما سقطت القدس دبلوماسياً، وما كان جرؤ هذا الرجل الذى يتعامل مع القضايا الدينية والإنسانية من خلال لغة المراهنات والصفقات..
فما أحوجنا اليوم إلى عمر بن الخطاب حتى يكون السيف أقوى من الكلمات.