أسامة شرشر يكتب: قنبلة السكان إلى أين؟
لا شك أن تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء مثّل صدمة لجميع المتابعين بإعلانه وصول عدد سكان مصر إلى ما يزيد على 104 ملايين نسمة، والأخطر أنه من هذا الرقم الكبير 22 مليون مواطن فى السنوات العشر الأخيرة فقط.
وبعيداً عن حسابات التنمية والدخل والفقر وكل هذه المسميات، نجد أن الخطورة الحقيقية فى دلالة هذه الأرقام، أن أطفال مصر الذين يولدون لا يحظون بأى رعاية صحية أو تعليمية، وهذا هو مكمن الخطر الحقيقى، إذ يصبح الإنجاب فى غياب دور الحكومة، مجرد تفريخ لأطفال الشوارع.
فالآلاف من أطفال الشوارع يمثلون قنبلة موقوتة على المجتمع المصرى، وقد لفت نظرى- وسجلتها فى ذلك الوقت- أثناء ثورتى 25 يناير و30 يونيو، استغلال جماعة الإخوان الإرهابية، هؤلاء الأطفال فى التخريب، مثلما فعلوا فى حرق المجمع العلمى، ووزارة الداخلية وأقسام الشرطة، مدفوعين بنوع من أنواع الغضب والحقد على الدولة المصرية، لمحاولة إسقاطها وهدمها، وهذه هى الورقة التى استغلها الإخوان، وحازم صلاح أبوإسماعيل، لتهديد الدولة.. كما لن يغيب عن عقلى مشهد أطفال الشوارع الذين حاولوا إحراق قسم الدقى أثناء اعتصام حازم صلاح أبوإسماعيل، حيث خرجت من هذا المشهد محبطاً، لأنه لا يحدث فى أى دولة من دول العالم، ولا حتى فى الدول الفاشلة؛ فما بالنا بمصر المصونة والمحفوظة برعاية الله؟!
فلذلك يجب أن ننتبه جميعاً لكيفية علاج هذه الأزمة التى تمثل نتاجاً للفساد الأسرى، والتفكك العائلى، وتمثل معامل تفريخ للإرهابيين، بعيداً عن رقابة الدولة.
كما تطلق الإحصائيات الأخيرة إنذاراً عالياً من الغرق فى الفوضى الاجتماعية بسبب زواج القاصرات، والتى أعلنت الجهات المسئولة أن عددها يصل إلى 18.2 مليون زيجة، بدون أوراق هوية أو ضمانات لحقوق الزوجة، أو أى شىء، مما ينتج عنه غالباً أطفال يسهل انقيادهم للمخططات الإرهابية ومحاولات تشويه الدولة المصرية.
فلذلك لاحظ الجميع أن كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسى فى قضية زواج القاصرات، خرجت حاسمة، وصادقة، وداعية فى الوقت نفسه لوقف هذا الأمر تماماً، حفاظاً على الأسر المصرية من التفكك.
ولا بد من سن تشريعات حاسمة وعقوبات رادعة، لمنع زواج القاصرات من خلال بعض المأذونين الذين لا يعبأون سوى بالكسب، دون الاهتمام بالكوارث الاجتماعية التى تنتج عن هذا النوع من الزواج.
والسؤال الذى يطرح نفسه، بعد تخطى عدد سكان مصر حاجز المائة مليون نسمة، هو كيف نحول هذه القوة البشرية والمجتمع الشبابى لقوة إنتاجية، ونضمها لدولاب العمل، لتنخرج فى ماكينات الإنتاج؟
أعتقد أن ذلك لن يكون إلا بتوفير رعاية تعليمية وصحية جيدة، وسن تشريعات قابلة للتطبيق على أرض الواقع، لاستيعاب هذه الزيادات السكانية وتحويلها لأدوات إنتاجية بدلاً من أفواه استهلاكية، بشكل واقعى وعلمى ومنهجى.
فنحن إذاً لسنا ضد الإنجاب الذى هو فطرة إنسانية وطبيعة بشرية، ولكن الأمر فى مثل وضعنا الاقتصادى، يجب ألا يخضع لمقارنات غير واقعية مع الصين التى يبلغ تعدادها 1.4 مليار نسمة أو الهند، وإنما يجب أن يخضع لظروفنا الاقتصادية ومواردنا الطبيعية، وطبيعة الشعب نفسه.
ومن الناحية الأخرى، يجب على الدولة أن ترفع دخول المصريين لتساعدهم على تحمل الأعباء الاقتصادية التى أثقلت كاهلهم، وتحريك عجلة الاقتصاد الذى يتحرك ببطء شديد بعد توقف كثير من المصانع عن العمل، وعدم تنفيذ خطط المشروعات الصغيرة والمتوسطة.. فكل ذلك يحول القوة السالبة والعاطلة لقوة منتجة ومتعلمة ومدربة، خاصة أننا ما زلنا نعيش على 10% من مساحة مصر، وهناك محافظات تئن من عدم وجود أيدى عاملة أو شباب للعمل، ولذلك إذا أحسنا توزيع هذه الطاقات المجتمعية، فستصبح طاقات إيجابية ومنتجة وفاعلة.
وإذا فعلنا ذلك، نكون حققنا هدفاً استراتيجياً للأجيال القادمة أن طوعنا الزيادة السكانية المذهلة إلى واقع إنتاجى حقيقى.
وأعتقد أن العدالة الاجتماعية بمفهومها الواسع والشامل والعملى، تشمل فى جزء منها أن تكون عدالة وظيفية بخلق فرص عمل حقيقية لملايين الشباب فى المشروعات الكبيرة والصغيرة والمتوسطة.
فإذا كان لدينا هذه القوة البشرية الهائلة وقمنا بتعليمها وتدريبها وربطنا العملية التعليمية بسوق العمل، تكون مصر قد وضعت أقدامها على أول طريق المستقبل المشرق، وبنت حائط صد أمام أى مخططات مستقبلية ضد هذا الوطن.