..ولا نكفّر من نطق الشهادتين
إن من نافلة القول أن إسلام المرء يعرف بالنطق بالشهادتين وقد أجمع أهل السنة والجماعة على أنه لا يُكفر مسلم بذنب ارتكبه مالم يستحله فيقول الإمام الطحاوي ( ولا نكفّر أحدا من أهل القبلة بذنبٍ مالم يستحله ولا نقول لا يضُرُ مع الإيمان ذنبٌ لمن عمله ) وهو ما حدث في حروب الردة التي يفهم البعض أن القوم ارتكبوا ذنب منع الزكاة فحاربهم أبو بكر لذلك والصحيح أنهم انكروا فريضة الزكاة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فاستحلوا بذلك منع الزكاة ولو تركهم الصديق لهدموا شرائع الاسلام فريضة فريضة ولانتهكت حرمة الدولة الاسلامية ولذلك أُطلق عليها حروب الردة والأخبار متواترة عن الحكم بالإسلام لمن نطق الشهادتين ويكفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما حضرت عمه أبا طالب الوفاة جلس عند رأسه وقال له ياعم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله وعندما أبى عمه نطق الشهادتين ومات على الكفر حزن المصطفى حزنا شديدا وقال قولته الشهيرة (أما والله لأستغفرن ّ لك ربي مالم أُنه عن ذلك ) فأنزل الله جلّ وعلا قوله تعالى:(ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم)
التوبة ١١٣
ومع هذا فقد واسى رب العزة رسوله وترفق بنبيه عندما أنزل عليه قوله تعالى :(إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)القصص ٥١ رواه البخاري عن ابي اليمان مرفوعا
فمن ياسادة حبيب النبي المشار إليه في الآية إنه عمه الكافر أبو طالب فلم يلعنه ربه احتراما لمشاعر نبيه ولكنه نسب له حب عمه الكافر الذي كان النبي يتمنى إسلامه وهو ماعبر عنه بعد سنوات أبو بكر الصديق عندما هنأه الحبيب بإسلام أبي قحافة والده فقال الصديق وقتها( وددت أن لو كان أبو طالب هو من أسلم لأني أعلم أن ذلك كان سيسعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من سعادته بإسلام أبي قحافة)
وهذا يدفعنا للعجب ممن يستحلون دماء المسلمين بمعصية يرتكبونها مهما بلغت تلك المعصية دون استحلالها ونحن نعجب عندما نقرأ في صحيح السيرة أن عمرو بن ثابت الأصيرم وكان من بني الأشهل أبى أن يسلم عندما عرض عليه سعد بن معاذ الإسلام وشاء الله أن يشرح صدره للإسلام يوم أحد فاستل سيفه وحارب في صفوف المسلمين فسأله قومه : أحدبا على قومك أم رغبة في الإسلام فقال بل رغبة في الإسلام وأنا أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وقاتل فقُتل من توه فقصوا على رسول الله قصته فقال أروني إياه فلما رآه قال هو من أهل الجنة فكان أبو هريرة يتندر به بين الصحابة ويقول أيكم يدلني على رجلٍ دخل الجنة ولم يصل لله قط وكانت الشهادتان طريقه الأوحد للجنة دون تلبسه بشعيرة واحدة من شعائر الإسلام أفلا يدل ذلك على أن الشهادتين تكفيان صاحبهما للفوز بلقب المسلم قبل أن ينتقل بعمله بعدها لمنصة المؤمنين
وقد قال الامام النووي :(اعلم أنه لا يُكفر أحد من أهل القبلة بذنب ولا يُكفر أهل الأهواء والبدع وأنّ من جحد ما يُعلم من دين الله ضرورة حكم بردته وكفره ) مسلم بشرح النووي ١/١٥٠
وبين الشهادتين ولقاء الله معاصٍ يعاقب كل امرئ على ما اقترفه بحسب ذنبه دون أن يخرجه ذلك من ساحة الإيمان ليخلد في النار وهذا ما سنتحدث عنه لاحقا إن كان في العمر بقية واسلمي يا مصر