ماهر مقلد يكتب: هموم سائقى التاكسى
شكوى سائقى التاكسى من الرسوم والضرائب التى يدفعونها سنويًا عند تجديد رخصة السيارة مريرة، قبل أيام قليلة روى سائق تجربته مع تجديد الرخصة وهو يتكلم بحرقة وألم ووجع، وقال «اليوم كنت فى مرور مدينة السلام سددت مبلغ 12 ألف جنيه وخمسمائة جنيه مقابل سنة واحدة فلا يسمح للسيارة بالتجديد لأكثر من سنة»، وأكمل «أعترف من ضمن هذا المبلغ 4500 جنيه مخالفات والباقى هو الرسوم ومن بينها حقيبة طبية بمبلغ 950 جنيهًا، فماذا نفعل؟». تركت السائق الذى كان يقلنى من منطقة قريبة حتى مبنى التلفزيون وهى مسافة قصيرة لا تستغرق فى الوقت سوى دقائق تقل عن عدد أصابع اليد الواحدة لكنه فيها لخص معاناة كبيرة تعصف بهذه الفئة من الفئات فى المجتمع المصرى وصوته غير مسموع.
لماذا لا يتم إعادة النظر فى الرسوم التى يدفعها أصحاب سيارات الأجرة خصوصا أنها متهالكة وقديمة وبها اعطال متكررة، لا مبالغة عندما ترصد أن معظم هذه السيارات غير صالحة للعمل بها أعطاب مسموعة وعندما تلفت نظر قائدها إلى هذه الأعطال الواضحة يقول بالفعل إن شاء الله سوف أصلحها هى تحتاج مبلغ بعينه، إحساس بعدم القدرة على الإنفاق على إصلاح السيارة، خصوصا تلك السيارات التى جاءت من خلال مبادرة إحلال وتجديد التاكسى وكانت لماركات رديئة وصناعات غير جيدة.
هذه المعاناة ليست وليدة اليوم بل هى متوارثة وتحتاج إلى حلول فالقانون يعتبر صاحب سيارة التاكسى صاحب عمل وعليه أن يسدد الضرائب حتى بلوغ سن التقاعد وهو 65 عاما، وبعدها يحصل على المعاش وهو مبلغ بسيط لا يتناسب أبدًا مع ضغوطات الحياة ولا مع ما سدده من مبالغ وهو يعمل، صوت هذه الفئة غير مسموع والدولة لم تضع القواعد الحاكمة للعلاقة ما بين التاكسى والراكب، لا توجد تسعيرة محددة ولا يلتزم التااكسى بتشغيل العداد وتصبح المعاملات مع الراكب بين المد والجزر، شكوى من ضغوط الحياة وارتفاع تكاليف الخدمة وامتعاض من الراكب بسبب المغالاة.
فى الجانب الآخر من الظاهرة والتى تعكس صورة مصر أمام العالم سائق التاكسى وسيارات الأجرة عنوان عريض للشارع المصرى وهو يتعامل مع كل ضيوف مصر وصورة مصر أمانة فى تصرفاته، وبالمصادفة عندما جلست إلى جوار السائق بادر بالقول لنا عتب عليكم؟ لم تكن هناك أى مؤشرات للحوار بيننا ولكنه من تلقاء نفسه تحدث، فهمت أنه يقصد أننا شريحة الركاب نفضل التعامل مع شركات الخدمة الأخرى التى أثرت على سيارات الأجرة كونها محددة السعر وحضارية ويلتزم العاملون بها بالقواعد وبها نسب الأمان من زوايا أن البيانات والمعلومات عن السيارة وقائدها مدونة وموجودة.
لم أفكر طويلًا وأجبته «أنا الآن معك فى التاكسى»، لكن مشكلة هذا السائق كانت موضوعًا آخر، حيث تحدث عن أنه يتألم بعد أن سمع أن أحد المراكز الطبية الكبرى سوف يتم بيعه لمستثمر أجنبى، وأردف أنا أنتظر إجراء جراحة وأصارع من أجل استكمال المبلغ الذى تحتاجه الجراحة، كانت الرحلة قاربت على نهايتها وحاولت أن أبدد له المخاوف وبث الطمأنينة فى قلبه بأن الصرح الطبى الذى يتكلم عنه لن يباع وعليه ألا يستمع إلى الشائعات ودعوت له بالشفاء. هذا السائق كان مريضًا بالفعل وكشف عما يعانى منه. هذه نوعيه تتحدث بعفوية ولكنها تعكس أبعادا أخرى فى المجتمع.
قضية الرسوم والضرائب شكوى عامة وتسمعها من كل سائق يتحدثون بمرارة كبيرة، ويتألمون من نقابة سائقى التاكسى التى لا تتبنى مصالحهم، ويعتقدون أن المجتمع قاسٍ عليهم كما هى الحياة، بعض هؤلاء انضم إلى خدمات الشركات الأخرى من خلال البرامج لكن الغالبية لم تفعل وتنتظر طويلًا التغيير فى النظرة كما ينتظر المواطن دورًا من الحكومة فى إعادة التوازن فى العلاقة بين الراكب والتاكسى لتحافظ للمواطن والسائح على الخدمة بصورة مقننة وتمنح التاكسى الحقوق التى تتماشى مع الواقع.
ما يهم فى الموضوع أنه قضية عامة لا تخص اسمًا بعينه ولكنها تهم قطاعًا عريضًا من المواطنين يعملون بشرف واجتهاد وبساطة من أجل لقمة العيش الشريفة والدولة الحريصة على ذلك عليها التزام بأن تضمن لهؤلاء العدالة والحق فى العمل بدون ضغوط.